الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

ثم أخبر عن إعزاز أوليائه، وإذلال أعدائه بقوله تعالى: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ } [الأعراف: 138] إلى قوله تعالى: { وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } [الأعراف: 141] والإشارة فيها: أن بني إسرائيل القلب كانت معذبة في مصر القالب وصفاتها، فلمَّا أخلص الله تعالى { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ }؛ أي: خلصنا بني إسرائيل صفات القلب من بحر الدنيا ومن فرعون النفس، { فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ } [الأعراف: 138]؛ أي: وصلوا إلى صفات الروح، { يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ } [الأعراف: 138] من المعاني المعقولة والمعارف الروحانية، فاستحسنوها وأرادوا العكوف على عتبة عالم الأرواح، { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ } [الأعراف: 138] الوارد الرباني الذي جاوز بهم بحر الدنيا.

{ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [الأعراف: 138]، يشير إلى أنه لولا فضل الله ورحمته مع العبد يثبته على قدم العبودية وصدق الطلب إلى أن يبلغه المقصد إلاَّ إذا كان العبد يركن إلى كل شيء من حسائس الدنيا فضلاً عن نفائس العقبى كقوله تعالى لسيد البشر صلى الله عليه وسلم:وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } [الإسراء: 74]، قال لهم موسى الوارد الرباني عند ركونهم إلى الروحانيات { قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف: 138] قدر الله وعنايته معكم، { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ } [الأعراف: 139]؛ يعني: صفات الروح، { مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ } [الأعراف: 139] من الركون والعكوف على استجلاء المعاني والمعارف الروحانية، { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأعراف: 139] في غير طلب الحق والوصول إلى المعارف والحقائق الإلهيات، { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ } [الأعراف: 141] يعني النفس وصفاتها { يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } [الأعراف: 141]؛ أي: سوء عذاب البعد، { يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ } [الأعراف: 141]؛ أي: يبطلون أعمالكم الصالحة التي هي متولدات من صفات القلب بآفة الرياء والعجب النفساني، { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ } [الأعراف: 141]؛ يعني: صفاء القلب لاستخدام النفس وصفاتها، { وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } [الأعراف: 141]؛ يعني: وكان في استخدام صفات القلب النفس وصفاتها بأن يعمل الصالحات رياء وسمعة؛ لجذب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلا تعظيم من ربكم، فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه، فلا تركنوا إلى الروحانية ولا المعقولات؛ كي تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال.