الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } * { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }

{ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 132] فلمَّا رأوا الآيات بعين الجهالة والضلالة رأوها سحراً، وجعلوا الإصرار على الإنكار شعارهم، وهتكوا بألسنتهم في العتو أستارهم، { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } [الأعراف: 133] فلمَّا توغلوا في فنون المخالفات صب عليهم أنواع العقوبات، فلا في التكفير رغبوا ولا إلى التطهير قصدوا.

{ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } [الأعراف: 133] في أصل الخلقة، فكانت عقوباتهم بصرف قلوبهم عن شهود الآيات والحقائق أبلغ مما اتصل بظواهرهم من فنون البلايا ونعوذ بالله من مكامن المكر، { وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ } [الأعراف: 134] وهو الغضب من الله، { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } [الأعراف: 134] ولم يقولوا: ربنا إذ لم يهتدوا إلى ربوبيته، وما ازدادوا بزيادة تلك المحن إلا بُعداً وأجنبية، { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } [الأعراف: 134] بأن تدعوه ويجيب لك من فضله، { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ } [الأعراف: 134]؛ يعني: لو انكشف عنا حجاب الغضب والسخط، { لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } [الأعراف: 134] { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ } [الأعراف: 135]، يعني: صورة الغضب والسخط وهو العذاب، { إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } [الأعراف: 135] فلمَّا رفع عنهم صورة الرجز آمنوا بالصورة لا بالحقيقة، فلمَّا بلغوا أجل المشيئة في إغراقهم نقضوا ما عاهدوا عليه، { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [الأعراف: 136] قهراً وغضباً، { فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [الأعراف: 136] بأنهم كذبوا بآياتنا في الظاهر وفي الحقيقة، فتكذيبهم من نتائج الغضب الحقيقي، { وَكَانُواْ عَنْهَا } [الأعراف: 136]؛ يعني: من حقائق أحكامنا، { غَافِلِينَ } [الأعراف: 136] فما نفعهم العهد مع المشيئة القديمة، ولا خلفهم العقل مع الإرادة الأزلية.

ثم أخبر عن نتائج العناية لأهل السعادة بقوله تعالى: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ } [الأعراف: 137]، الإشارة فيها: أن العزيز من أعزه الله، والذليل من أذله الله، ومن صبر على مقاساة الذل في الله توجه الله بتاج العزة، ويورثه عزة مذليه ومستضعفيه، كما قال تعالى: { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ }؛ أي: يطلبون مذلتهم وهوانهم { مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [الأعراف: 137] بإخراجها من أيدي الكفار والظلمة والفسقة وايراثها المؤمنين الموحدين الصالحين، { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } [الأعراف: 137]؛ يعني: بالكلمة الحسنى ما قدر لهم في الأزل، قال فيهم: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وقوله: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، فإنه قدر لهم من السعادة بما صبرهم على الشدائد في الدين كقوله تعالى: { بِمَا صَبَرُواْ } [الأعراف: 137] والصبر من أعمال أهل الجنة، قال تعالى:وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } [الإنسان: 12]، { وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } [الأعراف: 137]؛ يعني: ببني إسرائيل من الإذلال والإهانة، { وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } [الأعراف: 137]؛ أي: يرفعون بالتكبر والتحيز لأنفسهم، والتعريش: الارتفاع، يقال: عرش الطائر إذا ارتفع بجناحيه على ما تحته.