الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } * { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } * { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ }

ثم أخبر عن تعيين الوزن للنبيِّين بقوله تعالى: { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } [الأعراف: 8]، الإشارة فيها: أن الوزن عند الله يوم القيامة لأهل الحق وأرباب الصدق وأعمال البر كما قال تعالى: { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ } ، فلا وزن للباطل وأهله، يدل عليه قوله تعالى:فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } [الكهف: 105]، وروي أنه يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشَّروب فلا يزن جناح بعوضة،فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } [المؤمنون: 102] بالأعمال الصالحة والصفات الحميدة والأوصاف الرضية والنعوت المرضيَّة والأحوال السنية والأخلاق الربانية، { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الأعراف: 8] الفائزون بإبقاء الحق وبقائه، الناجون من مقام أنانيتهم لفنائهم، وإنما قال تعالى: { مَوَازِينُهُ } بالجمع؛ لأن كل عبد ينصب موازين القسط تناسب حالاته، فلبدنه: ميزان توزن به أعماله، ولنفسه: ميزان توزن بها صفاتها، ولقلبه: ميزان يوزن به أوصافه، ولروحه: ميزان يوزن به لغته، ولسره: ميزان يوزن به أحواله، ولخفيه: ميزان يوزن به أخلاقه، والخفى: لطيفة روحانية قابلة لفيض الأخلاق الربَّانية، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ " وذلك؛ لأنه ليس من نعوت المخلوقين بل هو من أخلاق رب العالمين، والعباد مأمورون بالتخلق بأخلاقه.

{ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } [الأعراف: 9] مما ذكرنا، { فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم } [الأعراف: 9] أفسدوا استعدادها لقبول هذه الكمالات التي ذكرناها، { بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } [الأعراف: 9]؛ أي: يجحدون؛ يعني: أفسدوا استعدادهم حسن لقبول الكمالات بجحودهم.

ثم أخبر عن كرمه ونعمه بقوله تعالى: { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [الأعراف: 10] إلى قوله:صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف: 16]، والإشارة فيها: أن التمكين لفظ جامع للتمليك والتسليط والقدرة على تحصيل أسباب كل خير وسعادة دنيوية وأخروية وكمال استعداد المعرفة والمحبة والطلب والسير إلى الله تعالى ونيل الوصول والوصال، وما شرف بهذا التمكين إلا الإنسان، وبه كرم وبه فضل وبه يتم أمر خلافته، ولهذا أمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام، وبه منَّ الله تعالى على أولاده بقوله: { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [الأعراف: 10]؛ أي: سيرناكم ووهبنا لكم في خلافة الأرض ما لم نمكن أحداً غيركم في الأرض من الحيوانات، ولا في السماء من الملائكة، { وَجَعَلْنَا لَكُمْ } [الأعراف: 10] خاصة، { فِيهَا مَعَايِشَ } [الأعراف: 10]؛ لأنها مجموعة من الملكية والحيوانية والشيطانية والإنسانية، فمعيشة الملك: روحية، ومعيشة الحيوان هي: معيشة بدنية، ومعيشة الشيطان هي: معيشة نفسه الأمارة بالسوء، ولمَّا حصل للإنسان بهذا التركيب مراتب الإنسانية التي لم تكن لكل واحد من الملك والحيوان والشيطان وهي: القلب والسر والخفي، فمعيشة قلبه هي: الشهود، ومعيشة سره هي: الكشوف، ومعيشة خفيه هي: الوصول والوصال، { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [الأعراف: 10]؛ أي: قليلاً منكم من يشكر هذه النعم؛ أي: نعمة التمكين ونعمة المعايش برؤية هذه النعم والتحديث بها، فإن رؤية النعم شكرها، والتحدث بالنعم أيضاً شكر.

السابقالتالي
2 3