الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ }

ومما يؤكد هذه المعاني قوله تعالى: { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا } [الأعراف: 101]؛ أي: القرى التي أهلكنا أهلها، { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } [الأعراف: 101] عند مجيء الرسل وإظهار المعجزات، { بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } [الأعراف: 101] إيصال أرواحهم بالقالب يوم الميثاق؛ إذ قال الله تعالى لهم:أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] وهم ذُرِّيَّات في صورة ذرة،قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] أقروا بالربوبية كلهم، ولكن كان من أركان الإيمان: إقرار باللسان وتصديق بالجنان، فوجدا في حق المؤمنين منهم، ووجد الإقرار دون التصديق في حق الكافرين منهم بأن الله قد طبع قلوبهم عند استماع الخطاب ورد الجواب.

ثم قال تعالى: { كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } [الأعراف: 101]؛ أي: كما طبع على قلوب الكافرين اليوم طبع على قلوب الذريات يوم الميثاق حتى أقروا بلا تصديق القلب من نتائجه، فما كانوا ليؤمنوا اليوم بما كذبوا من قبل، ثم قال تعالى: { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ } [الأعراف: 102]، يشير إلى أن أكثرهم كان مما طبع الله على قلوبهم يوم الميثاق فما وفوا بما عاهدوا عليه.

{ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } [الأعراف: 102]؛ أي: وما وجدنا أكثر هؤلاء إلا خارجين عن الإسلام والوفاء بالعهود.

ثم أخبر عن قوم موسى عليه السلام وأنهم ساروا بسيرتهم بقوله تعالى: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } [الأعراف: 103] إلى قوله:رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } [الأعراف: 122] الإشارة فيها: أن في قوله تعالى: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } إشارة إلى أن الأغلب أهل كل زمان وقرن، أكثرهم غافلون عن الدين وحقائق مستغرقون في بحر الدنيا، مستهلكون في أودية الشهوات واللذات النفسانية الحيوانيةظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } [النور: 40]، وإن الله من كمال رأفته ورحمته على خلقه يبعث عند انصرام كل قرن وانقراض كل هدم نبياً بعد نبي، كما يخلف قوماً بعد قوم وقرناً بعد قرن ويظهر المعجزات على ذلك النبي؛ ليخرجهم بظهور نور المعجزات من ظلمات الطبيعة إلى نور الحقيقة، فبعث موسى نبيه عليه السلام، وختم إليه هارون عليه السلام صفيه إلى فرعون وأيد معه الآيات والمعجزات.

{ فَظَلَمُواْ بِهَا } [الأعراف: 103] أي: ظلموا على المعجزات بأن جعلوها سحراً فوضعوها في غير موضعها، { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } [الأعراف: 103] الذين أفسدوا الاستعداد الفطري بركونهم إلى الدنيا وشهواتها، { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الأعراف: 104] يعني: رسولاً من رسله الذي أرسلهم من مكارم ربوبيته إلى عالم كل زمان، { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } [الأعراف: 105]؛ لأن الرسول ما ينطق عن الهوى إلا بوحي حق يوحى من الحق، فالناطق بالحق قائم بحقائق الجميع، فانٍ عن الخلق وآثار التفرقة، { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [الأعراف: 105] بحجة قائمة من اليد والعصا، { فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [الأعراف: 105] لأهديهم إلى صراط مستقيم، وأنجيهم من عذاب أليم.