الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ } * { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

{ خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ } [القلم: 43]؛ أي: ذليلة مهينة ينظرون إلى وجوههم المظلمة المكدرة و[أُنوفِهم] المسوَّدة، { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [القلم: 43]؛ يعني يغشاهم ذل الندامة، وغضبة الحسرة، وهوان الفضيحة، { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ } [القلم: 43]؛ يعني: في دار الكسب عند سلامة استعداداتهم يدعون إلى طاعة الحق، وتذليل النفس بالانقياد لأمر اللطيفة المرسلة إليهم أَبَوا وطغوا وعتوا، وكذبوا اللطيفة المبلغة { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } [القلم: 44]؛ يعني: دعني ومن يكذب بالوارد { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [القلم: 44]؛ أي: يمهلهم قليلاً في رزق مكاشفاتهم النفسية ليزدادوا في إنكار اللطيفة، ويفتروا ببعض الكرامات التي هي عين المكر مما يقدر العدو على إتيان مثلها مثل المرور على الماء، والطيران في الهواء، والإسراف على الخواطر حتى يظن أنه عند الله من المكرمين، وينكر المقتدى فيأخذهم بغتة، وينزع منهم الآيات والأدوات، ويكشف عليهم أحوال زرعهم وحرثهم فصاروا عارفين بالمقتدى متحرين على فوات الوقت وضياع الاستعداد معذبين أبد الآباد، { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [القلم: 45]؛ يعني: مهلتي في تلك المكاشفات والكرامات كان من كيد المتين القوي، { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [القلم: 46]؛ يعني: اللطيفة المبلغة يسأل عن إبلاغها الأحكام أجراً يثقل عليهم ولم يطيعون، { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } [القلم: 47]؛ يعني: أم عندهم كتب الغيب فهم يكتبون منها.

{ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } [القلم: 48] أيتها اللطيفة المبلغة؛ يعني: اصبري على أذاهم وتكذيبهم لكن { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } [القلم: 48]؛ يعني: لا تكن ضجراً ولا تستعجل بالدعاء على قواك قبل نزع الآلات والأدوات عنها فربما يهتدون إلى طريق الحق، ويتوبون إلى الله ويتركون الغفلة، والكظم من أشرف الأخلاق، والصبر على الكظم أمر الدواء وأنفع لداء الحادث من الغيب والضجر.

{ لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [القلم: 49]؛ يعني: لولا أن أدركته الداخلة في النون { لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ } [القلم: 49]؛ أي: طرح بالفضاء في جوف الحوت بالولاية الحيوانية النباتية وكان محروماً من نعمة النبوة النونية، { وَهُوَ مَذْمُومٌ } [القلم: 49] يذم ويلام بنزوله وبانحطاطه من مرتبة النبوية والولاية، وهذا سالك دعا على أممه على سبيل الضجارة بالعجلة وقت عروجه على معارج قلبه، ثم أخذ منه آلات الترقي بدعائه على أممه وطرح في جوف حوت الصدر فبقي فيه بحيث لا تزيد مرتبته ولا يترقى من حاله، وهذه حسرة عظيمة للسالك ولو ألهم في قلب السالك أنك وصلت إلى سدرة المنتهى منتهيك وأعطيت درجات جميع المقربين وليس لك الترقي بعد هذه المرتبة ينبغي أن يعري نفسه بنزع الآلات والأدوات عنها ووقوفها في مرتبتها؛ لأن المراتب الإنسانية والدرجات النفسانية غير منتهية إذا دخل السالك في عالم اللاهوت كل ساعة ونفس ولمحة لا يترقى فيها السالك من مقامه فهو مغبون كما قال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2