الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

يا طالب معرفة تسبيح أهل السماوات والأرض: اعلم أنهم يسبحون الله بألسنة أحوالهم كلهم على قدرهم مما وصل إليه [من] رشاشة نور جوده الذي صار به موجوداً، وظهر من كتم العدم إلى صحراء الشهادة، وبه قائماً، وبه حياً، وبه باقياً، وبه عارفاً، واقرأ ما يقول الله تعالى في كلامه القديم، وكتابه الكريم - متدبراً مرتلاً لتفهم حقيقة تسبيح ما في السماوات وما في الأرض حيث يقول -:

{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } [التغابن: 1]، يعني: ينزهونه عن أن يكون في السماوات والأرض؛ لأنه كان قبل خلق السماوات والأرض، وينزهونه عن أن يعزب عنه مثقال ذرة في الأرضين السفلى والسماوات العلى،يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } [سبأ: 2] { لَهُ ٱلْمُلْكُ } ، في الشهادة خلقاً، { وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } [التغابن: 1]، في الملكوت حقاً، يعني: مع كمال قدرته ما تصرف في ملكه إلا حكمة وعدلاً، { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التغابن: 1]، فيا أيها السالك ينبغي أن تعلم أنه خلق في أرض بشريتك قوى قابلة مظاهرة لصفة ربوبيته، وخلق في سماوات روحانيتك قوى فاعلة مظاهر الصفة فاعلية، وألّف ازدواجاً بين السفليات والعلويات بحكمته؛ ليظهر لطيفة مجتمعة فيها القوى القابلة والفاعلة لتكون خلفته لذاته وصفاته وفي أرضه وسمائه، وسَبَّحت له بجميع الألسنة والقوى المتفرقة.

واعلم أن إشارته في قوله: { لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ } إشارة إلى الملك والملكوت؛ لأن موجب إظهار الملك هو الحمد، والحمد ملكوتي، والحميد جبروتي، والذات التي [لها] صفة الحميد لاهويته، وفي كشف هذا السر يفتح باب إلى حد القرآن [فسددته].

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } [التغابن: 2]، من المفردات، ثم جمع أفراد المركبات السفلية والعلوية في قالب الإنسان وروحه، وخلقهفِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4]؛ { فَمِنكُمْ كَافِرٌ } [التغابن: 2]، مظهر لقهره، { وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } [التغابن: 2]، مظهر للطفه، [و] القوى الأمارة الكافرة والقوى اللوامة المؤمنة جمعت في وجود بني آدم بقدرته؛ فمن اقتدت باللطيفة المبلّغة وزكت قواها من رذائل الأخلاق المظلمة الترابية، والصفات المردية المائية، والخصائل المعنوية الهوائية، والدعاوية المهلكة النارية، وصفت أعمالهم عن قاذورات اجتماع هذه العناصر الغير المزكية، وطهرت باطنها عن جنابة محبة الدنيا الدنية؛ صارت لطيفة باقية منعمة أبد الآباد، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [التغابن: 2]، من الخير والشر، والسعيد سعيد في الأزل، والشقي شقي لم يزل.

قال الشيخ أبو يزيد البسطامي قدس سره: كل الناس يخافون من الخاتمة، وإنا أخاف من السابقة، جف القلم بما هو كائن،مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ق: 29] انتهى.

وكيف يتصور الظلم ونحن نغرس أصل العنب في البستان، ونسقيه من الماء ونربيه حتى يثمر العنب ونجنيه، ونعصره ونأخذ منه صفاؤه، ونجعل منه الحلاوة، ونهرق على وجه الأرض العصارة المكدر وهو يقول بلسان الحال - إذا [نظر] إلى وجهها الأسود بإدراكها الذي حصل لها في العروج طوراً طوراً حتى وصل إلى [العينية بالرائية] -:

السابقالتالي
2