الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [المنافقون: 8] يعني: القوى المنافقة العزيزة في وجودهم من حيث يشاءوا { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ } [المنافقون: 8] من هذه العزوة، وهي التي غزاها السالك في خلوته الأولى مع النفس، والنفس إلى مدينتنا القالبية.

{ لَيُخْرِجَنَّ } [المنافقون: 8] الخواطر القلبية التي آويناها في مدينتنا، وهم غرباء أذلاء، ولا يعلمون أن الغزوة لله ولرسوله وللمؤمنين، كما يقول الله تعالى: { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ } [المنافقون: 8] يعز رسول الله بعد هذا الغزو، ولا يقهر الأعداء ولرسوله لإعزاز الله إياه وتسلطه على القوى القالبية والنفسية، وتسخير المدينة وأهلها شاءوا أم أبوا { وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8] بنصر الله إياهم على أعدائهم، وثباتهم في الجهاد، وصبرهم على الشدائد الدنيوية الفانية { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8] لأن الله تعالى طبع على قلوبهم بعزته وحكمته { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [المنافقون: 9] يعني: يا أيتها القوى المؤمنة لا يشغلكم استعدادكم الحاصل في هذه الغزوة في ميدان هذه الخلوة، ولا نتائج خواطركم العارفة المطلعة على بعض أسرار الآثار والأفعال عن ذكر الله؛ لأنكم إن تشتغلوا باستعدادكم ومعارفكم، وتتركوا ذكر الله بلسانكم وقلبكم بعد خروجكم عن الخلوة، وتضيعون أوقاتكم بمجالسة الأقران الذين هاجرتموهم عند دخول الخلوة، وبمدارات الخلوة بان لنا قوة الاختلاط حاصل الاستعداد حصل بنا في هذه الخلوة شغلتم عن ذكر الله { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [المنافقون: 9] لخسرانهم رأس مالهم بلا ربح؛ لأنك مطالب في كل نفس بعمل صالح، فلو طوعت ذلك النفس وما كسبت بذلك النفس، وهو رأس مالك في سوق الدنيا خسرت رأس مالك بلا ربح، فكما أنك تشاهد أن من أكل في الأمس طعاماً لذيذاً وشراباً عذباً، واليوم عطش وجاع لا ينفعه طعام الأمس وشرابه حتى يكسب طعاماً وشراباً، ويأكل ويشرب ليسكن عطشه وجوعه اليومي، فكذلك كل ما حصل لك في الخلق، فإذا خرجت من الخلق، وتركت الكسب رجعت وعطشت اليوم ما ينفعك ما وجدت من قبل هذا اليوم في الخلق، فالواجب على السالك أن يجتهد في حفظ الأنفاس، ومراعاة الأوقات لئلا يضيع نفساً من الأنفاس، ولا يمشي عليه وقت من الأوقات إلا وهو ذاكر كاسب معرفة جديدة لنفسه الجديدة؛ لأن كل نفس عليه حقاً كما أن له من كل نفس حظاً فحظه من النفس الحياة، ومن النفس عليه ذكر الله ليكتسب به معرفة من معارف الصفات والذات، ولو غفل عن الذكر في بعض الأوقات ينبغي أن يتداركه في الغدو والآصال، ولا يجوز للسالك أن يمضي عليه يوم ولا يشتغل بالذكر على شرط النفي والإثبات بعد صلاة الصبح إلى وقت الإشراق، وعند الغروب إلى سقوط الشفق الأحمر ومن غفل في هذين الوقتين عن الذكر فهو مُدَّع كذَّاب ليس من أهل السلوك، ولو كان خلا ألف خلق، { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ } [المنافقون: 10] من الاستعدادات القوى السفلية والعلوية { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [المنافقون: 10] يعني: يجب على السالك أن ينفق قواه واستعداده الحاصل في عالم البشرية على وفق أمر الوارد من قبيل أن يدخل وقت انتزاع الاستعدادات، ويكشف غطاؤه فيقول: رب لولا أخرتني لأني علمت حتى أصدق وأعمل صالحاً { وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ } [المنافقون: 11] يعني: لا يمكن بعد حلول الأجل المعلوم أن يؤخر لأحد { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [المنافقون: 11] يعني: عليهم بأعمالهم وضمائرهم لو ردوا لما نهوا عنه، وأنهم خلقوا مظاهر لقهره ولا يعملون صالحاً، ولا ينفقون نفقة إلا رياء وسمعة، ولا يجتهدون في تزكية قواهم وتصفية نفوسهم؛ لأنهم قوم لا يعلمون حكمة إرسال اللطيفة إليهم، ولا يفقهون أحكام الوارد على اللطيفة المرسلة.

السابقالتالي
2