الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } * { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

يا أيها المتخذون أعداء الله أولياء أنفسكم، أما تقرءون كلام رب العالمين، ولا تفهمون ما يقول تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } [الممتحنة: 1] يعني: يا أيتها القوى المؤمنة لا تتخذوا القوة الكافرة القالبية والمشركة المنافقة النفسية، وإن كانت عشائركم أولياء؛ لأنهم يريدون أن تشتغلوا بالشهوات العاجلة ليتمتعوا بحظوظهم من اشتغالكم بالشهوات العاجلة، ويعذبكم ربكم في الآخرة، ولا تلقوا لهم من أسرار الوارد، وأخبار اللطيفة الخفية بمودة أصلية كانت بينكم وبينهم؛ لأن السالك يريد أن يعارضهم ويدخلهم في ميدان الخلوة، ويجاهدهم ولو ألقت القوة المؤمنة إلى القوة الكافرة خير إدخالهم في الخلوة أبوا واعتدوا وجعلوا يمكرون مكراً ويكيدون كيداً ليضروا اللطيفة الخفية إلى حد شاهدنا أنها تمرض الوجود وتظهر الآلام الشديدة والأوجاع المؤلمة في وجود السالك، لئلا يدخل في الخلوة ولا يشتغل بالعزلة، فإن كان السالك صادقاً لا يضره كيدهم، بل يحرضه ويبالغ في المجاهدة مع وجود الآلام والأوجاع، وهذا الابتلاء يتقن كثيراً عنه غيبة السالك عن حضرة مسلكه إني أردت في بداية أمري أن أدخل الخلوة في أربعين [موسوية] ففطنت القوى القالبية والنفسية الكافرة المشركة لأخيارهم القوى المؤمنة اللائمة فأمرضوني، وكان لي أخ في الدين من سلاك الطريقة رحمه الله قال لي: اترك الخلق في العشر الأول وداو نفسك حتى تصح، ثم ادخل في الخلوة على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتمم ثلاثين يوماً، فأطعت أمره فلما دخل ليلة أول أربعين وهيئوا لي مشروباً سهلاً لأشرب صبيحة تلك الليلة، فجاء الخادم، وقال: إن أحداً من المفنين جاء مسافراً من جانب خراسان، ويستأذن أن يدخل عليك، ويزمزم لكم فقلت: ائذنوا فدخل وقعد وزمزم، وقال في أول اشتغاله بالزمزمة: هذه الفارسية المهيجة، وهي هذه شعر [....] فغلب علي الوقت لأني سمعت هذا الكلام من الحق ذرفت ورقصت، وهيج في باطني أشواقاً عظيمة، فلما فرغت من السماع دخلت الخلوة، وجلست وما ضرني المرض، وفتح الله علي في تلك الخلوة فتوحات عظيمة لا حرمنا الله من أمثالها، فالمقصود من إيراد هذه الحكاية أن يعرف السالك كيد القوى ومكرها، ولا يلتفت إليها، ولو تمرض يقول لها: الدخول في الخلوة وقت المرض، وكثرة الطاعة في هذه الحالة أجود والمرض مبشر رسول الموت، فينبغي أن تدخل الخلوة، وتشتغل بذكر الحق لتموت فيها مستريحاً، فإذا رأت القوة الكافرة صدق السالك خافت من صدقه وهربت عنه { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ } [الممتحنة: 1] الواو واو الحال يعني: القوى الكافرة كفروا بالوارد الذي جاءكم من الحق أيتها القوى المؤمنة { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ } [الممتحنة: 1] يعني: يخرجون اللطيفة المرسلة من بلدة الوجود القالبي إل مدينة السر فبعد إخراجكم عن بلدة قالبهم فلا تتخذوها أولياء لأنفسكم { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } [الممتحنة: 1] مهاجرين إلى الله وإلى رسوله.

السابقالتالي
2