الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

ثم أخبر عن مجيئهم وقال تعالى: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ } [الأنعام: 94]، الإشارة فيها أن المجيء إلى الله تعالى يكون بالتجريد، ثم بالتفريد ثم بالتوحيد، فالتجريد: هو التجرد عن الدنيا وما يتعلق بها، والتفريد: هو التفرد عن الدنيا والآخرة رجوعاً إلى الله تعالى خالياً عن التعلق بهما كما كان في بدء الخلقة روحاً مجرداً عن تعلقات الكونين كقوله تعالى: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 94]؛ يعني: أول خلقة الروح قبل تعلقه بالقالب، فإنه خلقه ثانياً، كما قال تعالى:خَلْقاً آخَرَ } [المؤمنون: 14]، وقال تعالى:وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } [الأعراف: 11]، فللعبد في السير إلى الله تعالى كسب وسعي بالتجريد والتفريد عن الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } [الأنعام: 94]، يعني: عن تعلق الكونين، { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ } [الأنعام: 94]، يعني: الأعمال والأحوال التي ظننتم أنها توصلكم إلى الله، { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [الأنعام: 94]، وبينها عند انتهاء سيركم.

{ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [الأنعام: 94]، إنه يوصلكم إلى الله تعالى، فلما وصل العبد إلى سرادقات العزة انتهى سيره كما انتهى سير جبريل عليه السلام ليلة المعراج عند سدرة المنتهى - وهي منتهى سير السائرين من الملك والأنس - والتوحيد هو التوحد، لفيض الوحدانية عن التجلي بالصفات الوحدانية؛ ليوصل العبد بجذبة:ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 28]، مقام الوحدة، ولو لم يدركه العناية الأزلية بجذبات الربوبية لانقطع عن السير في الله بالله، وبقي في السدرة وهو يقول: ما شاء الله له مقام معلوم.