الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }

ثم أخبر عن جلال قدرته وكمال عزته وعظمته بقوله تعالى: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [الأنعام: 91] والإشارة فيها أن العلم المخلوق لا يحيط بالأوصاف القديمة ولا يدرك القديم إلا بالقدم { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }؛ إذ هم مخلوقون والمخلوق لا يقدر إلا المخلوق، فكل من عرف الله بآلة مخلوقة فهو على الحقيقة غير عارف؛ لأنه لم يعرفه حق معرفته ومن عرف الله بآلة قديمة، كما قال بعضهم: " أعرف ربي بربي " ، فقد عرف الله وهو عارف، ولكن على قدر استعداده في قبول فيض الربوبية الذي به عرف الله لا على قدر ولا على نهاية ذاته وصفاته { إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } [الأنعام: 91]؛ يعني لو عرفوا الله حق معرفته لعلموا أنه أنزل الكتب وبعث الرسل فمن أراد في معرفة أوصافه فقد ازداد في معرفته، ولما لم يحط أحد بكمال أوصافه ما قدروا الله حق قدره على الحقيقة.

ثم قال: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ } [الأنعام: 91]، حجة عليهم يعني من الذي يجئ بكتاب كما جاء به موسى عليه السلام وحاله أن ينور القلوب القاسية بنور الله تعالى ويهديهم بذلك النور إلى الله تعالى ودينه غير الله، فإن الكتاب الذي يجيء به غير الله لا يكون له هذا الحال لا { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ } [الأنعام: 91]، أي إنما أنزل الكتاب الذي حاله أن ينور القلوب ويهديها إلى الله لتعلموا به وسيرى الله نوره إلى قلوبكم فجعلتموه { قَرَاطِيسَ } بالكتابة وما تجعلونه في قلوبكم بالتخلق بالأخلاق الكتاب فلا جرم تبدونها إلى صورة قراءتها وروايتها { تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } [الأنعام: 91]، وهو حقائقها الكثيرة التي تتعلق بنور الكتاب وهداه وهو غير متناه { وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ } [الأنعام: 91]، يشير بهذا إلى كمالية مرتبة محمد صلى الله عليه وسلم وكمالية دينه على الأنبياء عليهم السلام والأديان كلها وذلك أن محمد صلى الله عليه وسلم قد بعث لتعليم الكتاب والحكمة وتعليم ما لم يعلم غيره من الكتاب والحكمة كقوله تعالى:وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 151]، والذي علمهم النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب قوله تعالى: { قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [الأنعام: 91]، ومن الحكمة ما هو سره الذي يكون تعليمه بسر المتابعة سر بسر وإضمار بإضمارنا المعنى { قُلِ ٱللَّهُ } بشرك عند خلوة عن التفات ما سواه من خلقه { ثُمَّ ذَرْهُمْ } أي الخلق في خوضهم يلعبون أي ليلعبوا بمن خاض فيهم وبلعبهم من خاضوا فيهم ومعهم حتى يقولوا يوم الحسرة وكنا نخوض مع الخائضين فهو الذي علمهم النبي صلى الله عليه وسلم من حقيقة علم الكتاب والحكمة مما لم يعلموهم ولا آباؤهم والله أعلم.

السابقالتالي
2