الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

ثم أخبر عن الإعراض عن الخواص بقوله تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [الأنعام: 68]، إلى قوله: { بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [الأنعام: 70].

الإشارة فيها أنه لا يصلح للطالب الصادق المجالسة مع الخواص لأنه قيل أن الطبع يسرق فقوله تعالى: { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا } [الأنعام: 68]، إشارة إلى بعض أهل الطاعات يخوضون في أحوال الرجال، ولا حظ لهم منها قال تعالى: { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [الأنعام: 68]؛ يعني: من الطامات التي هي ريح في شبح { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ } [الأنعام: 68]؛ يعني: القعود منهم فقعدت معهم بالنسيان، أو من غير قصد منك وعرفت أحوالهم { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ } [الأنعام: 68]؛ أي: بعد التذكر ومعرفة أحوالهم { مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } [الأنعام: 68]، البطالين الذين يظلمون أنفسهم بإفساد الاستعداد، ويراؤون الناس أنهم من الطالبين الصادقين بالزي والخرق وأنهم من البطالين بالأفعال والأحوال { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [الأنعام: 69] من الطامات والدعاوي وفي الطلب { مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } [الأنعام: 69]، من خسارة البطالين من شيء { وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [الأنعام: 69]، ولكن يحسن الاعتراض عنهم ويتركون الإصغاء إلى مجالاتهم وخيالاتهم من الطامات وحسن الانقباض بذكرهم لعلهم ينتهون ويحترزون عن الدعاوي ويطلبون المعاني { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً } [الأنعام: 70]؛ أي: دع صحة الذين يلعبون بالدين وهمهم لبس الخرقة والزي بزي الطالبين إنما هو للدنيا وقبول الخلق والنسب باللهو { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ } [الأنعام: 70]؛ أي وعظهم بالصدق والطلب وترك الخرقة فإنها تورث الزندقة { أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ } [الأنعام: 70]، من قبل أن تفسد نفس استعدادها للطلب بالكلية بما تكسب من الرياء والنفاق { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ } [الأنعام: 70] يتولى أمر إصلاح استعدادها { وَلاَ شَفِيعٌ } [الأنعام: 70]، يشفع ليصلح الله استعدادها الفاسدة { وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ } [الأنعام: 70]؛ يعني: وإن تقتدي بالدنيا وما فيها لا يقبل منها ولا يفيد استعدادها بعد فسادها بالكليةسُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [الفتح: 23]، { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ } [الأنعام: 70]، بطلوا الاستعداد الفطري بمرائيهم لهم { لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ } [الأنعام: 70]، من مشرب الحسرة والندامة { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ } [الأنعام: 70]، من نار القطيعة وألم البعد { بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } [الأنعام: 70]، بمقامات الرجال من الوصول والوصال.