الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ } * { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } * { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ } * { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ }

ثم قال تعالى { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } [الأنعام: 53]؛ يعني: الفاضل بالمفضول بالفاضل فليشكر الفاضل وليصبر المفضول، فإن لم يشكر الفاضل فقد تعرض لزوال الفضل والناصر المفضول فقد سعى في نيل الفضل والمفضول الصابر يساوي الفاضل الشاكر، كما كان سليمان عليه السلام في الشكر مع أيوب عليه السلام في الصبر، فإن سليمان عليه السلام مع كثرة صورة أعماله في العبودية كان أيوب عليه السلام عليه مع عجزه عن صورة أعمال العبودية مساوياً في مقام نعم العبدية لسليمان عليه السلام فقال تعالى: لكل واحد منهمانِعْمَ ٱلْعَبْدُ } [ص: 30]، ففتنته في المفضول رؤية فضله على المفضول وتحقيره ومنع حقه عنه في فضله، وفتنة المفضول في الفاضل حسده على فضله وسخط عليه في منع حقه من فضله عنه، فإنه انقطع عن الحق بالخلق إذا رأى المنع والعطاء من الخلق وهو المعطي والمانع لا غيره، ومنها إقراري الفاضل مستحقاً للفضل، كما قال تعالى: { لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } [الأنعام: 53]؛ يعني: خصهم بالفضل، فقال تعالى: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ } [الأنعام: 53]؛ أي: المستحقين لنعمة فضله الذين يشكرون على نعماته، فكل نعمة من النعم الظاهرة والباطنة سبغ الله تعالى على عبده، فإن وفقه للشكر نعمة عليه وإلا يكون نعمة عليه، والله أعلم.

ثم أخبر عن فضله مع أهل الفضل بقوله تعالى: { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 54]، الآيتين، والإشارة فيهما أن الله تعالى من كمال فضله على الفقراء أحلهم محل الأكابر والملوك في الدنيا والآخرة بتقديم السلام عليهم، فأما في الدنيا فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ } يعني: كن مبتدأ بالسلام على أن السلام على الجائي والآتي إلا الأكابر والملوك تعظيم بتقديم السلام عليهم في كل حال، وأما في الآخرة فيسلم عليهم الملائكة عند دخول الجنة كقوله تعالى:سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73]، والله تبارك وتعالى يبتدئسَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [يس: 58]، وفي قوله: { سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ } يشير إلى السلام الذي سلم الله تعالى على حبيبه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج؛ إذ قال له: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال في قبول السلام: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فكأنه قال له حين سألوه طرد الفقراءوَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } [الأنعام: 52]، فإنهم من عبادنا الصالحين فإذا جاءك بلغ إليهم سلامنا كما قبلت منا، فالسلام كان من الله تعالى إليهم، وإن كان بالنبي صلى الله عليه وسلم سلم عليهم ومعنى السلام من الله تعالى هو سلامهم من ظلمة الخلقية بإصابة رشاشة نور القدر حين رش عليهم من نوره؛ إذ خلق الخلق في ظلمة، وإنما رش عليهم من نوره عند خلق الأرواح لأنه { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } [الأنعام: 54]، في الأزل وإنما كتب لهم الرحمة على نفسه وهي ذاته تبارك وتعالى؛ لأنهم كانوا من الذين

السابقالتالي
2 3