الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } * { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } [الأنعام: 48]؛ يعني: إليهم من الهداية شيء، وإنما هم يبشرون لمن آمن وأصلح بالنجاة والدرجات، ومنذرون للمكذبين بالهلاك والدركات { فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ } [الأنعام: 48]، استعداد الذي أفسده بصرفه في غير محله فيصلحه بالتوبة والإنابة ويصرفه في العبودية على وقف الأمر { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [الأنعام: 48]، من فساد الاستعداد فعل هذا بعد أن أصلحوا { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [الأنعام: 48]، على آفات منهم من الحسنات في أيام استعمالهم السيئات؛ لأن الله تعالى قاليُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [الفرقان: 70]، بعد التوبة والرجوع { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [الأنعام: 49]، وثبتوا عليه { يَمَسُّهُمُ ٱلْعَذَابُ } [الأنعام: 49]، عذاب الرد والبعد والهلاك { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } [الأنعام: 49]؛ أي: بسبب خروجهم يوماً رش الله تعالى على الأرواح من نوره فيه عن وصف المرشش فأخطأهم ذلك النور وهم أهل الشقاوة والهلاك.

ثم أخبر عن حال النبي صلى الله عليه وسلم باللطف الخفي بقوله تعالى: { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } [الأنعام: 50]، الآيتين.

والإشارة فيهما أن الله تعالى مربيه صلى الله عليه وسلم أن يكلم الكفار على قدر عقولهم، فقال تعالى: { قُل } يا محمد { لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } على أنها عندي؛ ولكن { لاَّ أَقُولُ لَكُمْ } وهي علم حقائق الأشياء وماهيتها، وقد كان عنده في إراءةسَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ } [فصلت: 53]، أو إجابة قوله صلى الله عليه وسلم: " أرنا الأشياء كما هي " ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " أوتيت جوامع الكلم " ، وما أمره الله تعالى أن: { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } [الأنعام: 50]، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يخبر عما مضى وعما سيكون بأعلام الحق تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج: " قطرت في حلقي قطرة علمت بها ما كان وما سيكون " { وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } [الأنعام: 50]، وإن كنت قد عبرت عن مقام الملك حين قلت لجبريل عليه السلام: تقدم، فقال: لو دنوت أنملة لاحترقت { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } [الأنعام: 50]؛ يعني: لا أخبركم عن مقاماتي وأحوالي فيهما " لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل " إلا عما يوحي إلي أن أبصارهم، وقل معهم، ثم قال تعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } [الأنعام: 50]؛ يعني: قل وكيف أخبركم عما أعمى الله بصائركم عنه، وأنابه بصير فلا يستوي مع الأعمى كلام البصير { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } [الأنعام: 50].

ثم قال تعالى: { وَأَنذِرْ بِهِ } [الأنعام: 51]؛ يعني: أخبر بهذه الحقائق والمعاني { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } [الأنعام: 51]، بجذبات العناية ويتحقق لهم أن { لَيْسَ لَهُمْ } [الأنعام: 51]، في الوصول إلى الله { مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ } [الأنعام: 51]؛ يعني: من الأولياء { وَلاَ شَفِيعٌ } [الأنعام: 51]؛ يعني: من الأنبياء لأن الوصول لا يمكن إلا بجذبات الحق تعالى: { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [الأنعام: 51]، عما سوى الله بالله في طلب الوصول.

السابقالتالي
2