الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } * { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ }

ثم أخبر عن الأمم من بعضها مثل النعم بقوله تعالى: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } [الأنعام: 38]، إلى قوله: { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الأنعام: 39]، الإشارة فيهما أن في قوله تعالى: وما من دابة في الأرض يشير إلى ما يدب في أرض البشرية، ويتحرك كالسمع والبصر واللسان والأعضاء كلها والنفس وصفاتها وطائر يطير بجناحيه الشريعة والطريقة إلا أمم أمثالكم في السؤال عن أفعالهم وأحوالهم يدل على قوله تعالى:إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء: 36]، { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ } [الأنعام: 38]؛ أي: تركنا في القرآن { مِن شَيْءٍ } [الأنعام: 38]، يحتاج به الإنسان ظاهره وباطنه ذاته وصفاته في السير إلى الله والوصول إليه من المأمورات والمنهيات والندب والاستحباب وجميع يقربه إليه، ويباعدون عنه إلا بيناه { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [الأنعام: 38]، أما المقبلون المقبولون فهاهنا بالسر وجذبات العناية يرجعون إلى ربهم، وأما المدبرون المردودون فبالحشر يحشرون إلى ربهم السلاسل والأغلال يسبحون في النار على وجههم نار القطيعة والرد بالبعد؛ لأن من شأنهم التكذيب بما نزلنا من أسباب الوصول كما قال تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [الأنعام: 39]، بدلائلنا التي هي توصلهم إلينا { صُمٌّ } [الأنعام: 39]؛ إذ أن قلوبهم لا يسمعون بها دعوة الحق { وَبُكْمٌ } [الأنعام: 39]، ألسنة قلوبهم لا يستجيبون دعوة الحق؛ لأنهم لا يسمعونها وإنما يستجيب الذين يسمعون ومن خاصية الأصم أن يكون أبكم وذلك لأنهم { فِي ٱلظُّلُمَاتِ } [الأنعام: 39]، هي ظلمات صفات البشرية والأخلاق الذميمة التي عند غلباتها على القلب يميت القلب من صفاته الروحاني والأخلاق الحميدة والمعنى في قوله تعالى: { صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ } من موت القلب، كقوله تعالى:أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [الأنعام: 122]، كمن مثله في الظلمات البشرية، وما أحييناه بنور المعرفة { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ } [الأنعام: 39]، إضلاله { يُضْلِلْهُ } [الأنعام: 39]، عن طلب الحق بموت القلب { وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الأنعام: 39]، في طلب الحق ويحيي قلبه بنور المعرفة.

ثم أخبر أنه المولى في كشف البلوى بقوله تعالى: { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ } [الأنعام: 40]، إلى قوله: { مَا تُشْرِكُونَ } [الأنعام: 41]، الإشارة فيهما أن الله تعالى خص الإنسان بكرامة من بين سائر المخلوقات، وهي أنه تعالى بسط أرض البشرية على وجه بحر الروحانية ويتصرفوَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [الحجر: 29] فتح باباً من جناب القدس إلى روحه، ومن روحه إلى البشرية فمن بقي له البابان مفتوحين يرسل الله تعالى نور رحمته إليه فيهما كقوله تعالى:مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

السابقالتالي
2