الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } * { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

ثم أخبر عن جحود أهل الوجود بقوله تعالى: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } [الأنعام: 33]، الآيتين والإشارة فيهما أن من ضيق نطاق البشرية أثر في بشرية حبيب الله صلى الله عليه وسلم مقالة الجهال والضلال حتى بمقالتهم، وتأسف على ضلالتهم فواساه الله تسلية له وقال: قد نعلم أنه ليحزنك الذين يقولون بجهالتهم وينسبونك إلى الكذب عن ضلالتهم { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } [الأنعام: 33]، على الحقيقة؛ لأنهم يعرفونك بالصدق { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33]، ولكن الكذب والتكذيب في الجحود والعناد من شأن الظالمين؛ لأن الظالم من يضع الشيء في غير موضعه فيضعون التكذيب والجحد في موضع التصديق والإقرار، فلا تحزن على مقالهم فإنا نعلم أن من أصابك لم يصبك إلا لأجلنا، وإن لك غير ضائعٍ هذا عندنا وحالك فينا كما قيل شعر:
أشاعوا لنا في الحيِّ أشنع قصةٍ   وكانوا لنا سِلْما فصاروا لنا حَربا
وإنك لست منفرداً في مقامات المحنة من بين أهل المحبة { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ } [الأنعام: 34]، فإن الصبر على المكاره من شأن المرسلين { حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } [الأنعام: 34]، ظاهراً وباطناً فإنا الظاهر فعمر رسلنا بهلاك القوم أو بإجابة الدعوة، وإن في الباطن فتنصرهم بالتخلق بأخلاقنا فأما الصبر خلق من أخلاقنا وينافهم بالصبر مرتبة أولوا العزم كما قال تعالى:فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 35]، { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } [الأنعام: 34]، وهي القدرات التي قدرها ودبرها في الأزل إلى الأبد بكلمةكُنْ } [البقرة: 117]، فقدر للمقبولين الرسالة والنبوة والولاية والمحبة والصبر عليها ونعمة الطاعة والعبودية والشكر لها { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الأنعام: 34]؛ أي فيما صبروا على المحق والشكر والنعم وقدر للمردود بين الغفلة والجهالة والضلالة وكفران النعمة والجزع فيما أصابهم من المكاره.

ثم أخبر عن إعراض أهل الاعتراض بقوله تعالى: { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ } [الأنعام: 35]، تربية وتأديب للنبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم: " أدبني ربي فأحسن تأديبي " ؛ لئلا يبالغ في الشفقة على غير أهلها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كما خوطب بقوله تعالى:وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } [آل عمران: 159]، بالغ في اللين والشفقة وحرص على إيمان القوم وكبر عليه إعراضهم حتى قيل وأغلظ عليهم وقيلفَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف: 6]، وقيل:

السابقالتالي
2