الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

ثم أخبر عن ضرر الشرك وخير التوحيد أنهما إليه وبه بقوله تعالى: { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } [الأنعام: 17]، الآيتان والإشارة فيهما أن تعلم أن المقدر هو المدبر، ولا ينجيك من البلاء إلا من يعنيك في العناء، وإن تعلم أن دائرة أزليته متصلة بأبديته، وإن كل نقطة من الدائرة تصلح أن تكون مبدأ الدائرة وأولها، ومنتهى الدائرة وآخرها، فكل آن من آن أزليته وأبديته يصلح أن يكون أزلاً وأبداً، فبهذا يتحقق قوله تعالى: { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ } [الأنعام: 17]؛ أي: يصيبك بقهر من الإبعاد ويبتليك بالإشراك والإضلال في البداية من حرمان النور المرشش على الأرواح.

{ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ } [الأنعام: 17]، في النهاية { وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ } [الأنعام: 17]؛ أي: يصيبك بلطف من إصابة النور المرشش في البداية والنهاية، أو فيما بينهما ويهديك إلى الصراط المستقيم الذي هو صراط الله، { فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } [الأنعام: 17]، أزلاً وأبداً.

{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام: 18] في الأزل، فبالقهر أخرجهم من مكامن العدم إلا أنه سبحانه وتعالى يقهر هذه الحالة ويبدل العدم بالوجود، وقد عم قهره جميع عباده، فقهر الكفار بموت القلوب وحياة النفوس إذ أخطأهم النور المرشش على الأرواح في بدء الخلقة، فضلوا في ظلمات الطبيعة وما اهتدوا إلى نور الشريعة، وقهر نفوس المؤمنين بأنوار الشريعة؛ فأخرجهم عن ظلمات الطبيعة بالقيام على طاعته وقهر قلوب المحبين في بلوغات الاشتياق، فأسنها بلطف مشاهدته وقهر أرواح الصديقين بسطوات تجلي صفات جماله، وقهر أسرار الواصلين بسطوات بها صفات جلاله، وبالجملة لا ترى شيئاً سواه، إلا وهو مقهور تحت أعلام عزته وذليل في ميادين صمديته { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } [الأنعام: 18]، فيما يقهر فلا يخلو عن حكمته بالعز { ٱلْخَبِيرُ } [الأنعام: 18]، بما يصلح للطعن وقهره، فالقهر بما قهره أولى، واللطف بما لطفه به أخرى.

ثم أخبر عن أكبر الشهادة لأهل السعادة بقوله تعالى: { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ } [الأنعام: 19]، والإشارة فيها أن الله تعالى أراد أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عقول مشركي أهل مكة بطريق السؤال عنهم في معرفة الله تعالى وجهلهم به، فأخبرهم بالسؤال، وقال: قل أي شيء أكبر شهادة، فمن كان التوفيق رفيقه يعلم أن شهادة الله أكبر من شهادة الخلق، وعلومهم لا تحيط بحقائق الأشياء كلها، والحق سبحانه هو الذي يحيط علمه بجميع حقائق الأشياء؛ لا سيما بحقيقة وحدانيته فيؤمن بالله وحده ولا يشرك به أحداً، ومن أوبقه الخذلان وعوقه الخسران يعرف الله ويقول: هو أكبر شهادة أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم قل الله قل هو الله الذي أكبر شهادة من كل شيء وهو { شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } [الأنعام: 19]، لعلهم ينتهون، ويعرفون الله بتعريفه إياهم ويؤمنون به.

السابقالتالي
2 3