الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }

ثم أخبر عن مضار في الدين المتين بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } [الأنعام: 159] والإشارة فيها: { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } ، أي: دينهم الذي ارتضي لهم الله تبارك وتعالى هو الدين الحقيقي الذي فيه كمالية الإنسان، وتمامية نعمة الحق تعالى وهو الفوز العظيم بنور الله التام، كما قال تعالى:يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ } [الصف: 8] فارقوا بقلوبهم، وإن كانوا متمسكين ببعض سعادة بظواهرهم رياء وسمعة أو خوفاً وطمعاً، { وَكَانُواْ شِيَعاً } [الأنعام: 159]، أي: صاروا هؤلاء الفارقون المارقون فرقاً مختلفة، فرقة منهم أهل الأهواء والبدع من المذاهب المختلفة: كالمعتزلة والنجارية والمعطلة نافية الصفات والمشبهة والجسمية والمرجئة والجبرية والقدرية والروافض والخوارج وأمثالهم ممن يزعم أنه من أهل الإسلام، وفرقة منهم أهل الدعاوي من غير المعاني كبعض المتزهدين بالرياء، والمتصوفين بغير الصفاء، والعارفين الجاهلين المكذبين العادين عن المعرفة منهم: القلندرية والحوالقية وأكثر من يدَّعي الفقر وما شمَّ رائحته، وكبعض الغافلين البطالين والعلماء بالسوء الذين يأكلون الدنيا بالدين وهو [بأبدانهم] في طلب العلم وحرفة الجاه والقبول وجمع المال والمفاخرة والمباهاة والشهرة وأخذ المناصب للمكاسب، فإنهم يدَّعون من خواص أهل الإسلام ويظهرون شعائر الصالحين ويضمرون دثار الصالحين.

ومنهم فرقة خلعوا من ربقة الإسلام بالكلية وخرقوا من الدين خروق السَّهم من الرمية، ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم: كالمتفلسفة والدهرية والطبائعية والحشوية والزنادقة والإباحية والمباركية والإسماعيلية والأباضية والحرورية وطوائف، فإن فيهم كثرة وليس أحد منهم على دين الإسلام، ولكن يخرطون في مسلكهم، وكانوا يتملكوا بملكهم، فهؤلاء أقوام اتفقوا بأبدانهم وافترقوا بقلوبهم وأديانهم مجتمعين جهراً بجهر متفرقين شبراً بشبر.

قال الله تعالى: { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [الأنعام: 159]، ولا يجمعك وإياهم معنى شقك شق الحقائق وشقهم شق البواطل، ولا اجتماع للضدين، { إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ } [الأنعام: 159]، أي: في بدء الأمر في الخلقة في قسم الاستعداد على ما شاء كما شاء، وفي الحال بالتوفيق والخذلان وفي المال بالمكافآت والمجازات، { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم } [الأنعام: 159]، عند المكافآت يوم المجازات، { بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [الأنعام: 159]، في الدينا، إذا كانوا يشترون الحياة الدنيا بالآخرة، ولا ينبئهم عما فعله في البداية من التدبير والتقدير.

ثم أخبر عن مجازات الحسنات والسيئات بقوله تعالى: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام: 160]، والإشارة فيها: إن الله تبارك وتعالى من كمال إحسانه مع العبد أحسن إليه بعشر حسنات قبل أن يعمل العبد حسنة واحدة، فقال تعالى: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [الأنعام: 160]، يعني: قبل أن يجئ بحسنة أحسنت إليه بعشر حسنات؛ حتى يقدر أن يجيء بالحسنة، وهي: حسنة الإيجاد من العدم، وحسنة الاستعداد بأن خلقه في أحسن تقويم مستعداً للإحسان، وحسنة التربية، وحسنة الرزق بعثة الرسل، وحسنة إنزال الكتب، وحسنة تبيين الحسنات والسيئات، وحسنة التوفيق، وحسنة الإخلاص في الإحسان، وحسنة قبول الحسنات.

السابقالتالي
2 3