الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }

ثم أخبر عن ثلاثة غير هذه بقوله تعالى: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } [الأنعام: 154] يشير إلى حال نبينا صلى الله عليه وسلم من وجهين:

أحدهما: إنه تعالى لمَّا ذكر الخصال العشر وخصَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة وقال تعالى:وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ } [الأنعام: 153] ثم قال تعالى: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً } [الأنعام: 154]، ثم أخبر منك يا محمد أن آتينا موسى الكتاب قبلك تماماً على الذي أحسن؛ يعني: إتماماً لدينك على من أسلم من أمتك إسلامه، فإن الكتب المنزلة كلها وشرائع الأنبياء - عليهم السلام - كانت تتمه للدين الخفي الذي هو الإسلام، وهو الدين المرضي بقوله تعالى:إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [آل عمران: 19]، وبهذا السر أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتباع الأنبياء والاقتداء بهم، كما قال تعالى:أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [الأنعام: 90] للجمع بين هداه وهداهم إتماماً للدين وتكميلاً له فلم تم هداه بالقرآن، وتم اقتداه بهداهم قال تعالى:ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } [المائدة: 3].

والوجه الثاني: إن الذي أحسن هو النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فأراد بالذي أحسن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان مخصوصاً من بين الأنبياء - عليهم السلام - بالرؤية؛ ولهذا السر قد سمَّاه الله تعالى محسناً بقوله:وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً } [النساء: 125]، فالمعنى: آتينا موسى الكتاب تماماً على محمداً؛ أي: لتكميله في النبوة والرسالة يدل عليه قوله تعالى:وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [هود: 120]، { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 154] أي: وبياناً وشرحاً لدينه.

{ وَهُدًى وَرَحْمَةً } على أمته، { لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 154]؛ أي: لكي يؤمنوا هذه الأمة برؤية ربهم فهم مخصوصون بهذه الكرامة كما خص نبيهم بها فيتشمروا عن ساق الجد في طلبها ثم قال تعالى: { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ } [الأنعام: 155]، أي: أنزلناه أيضاً لإتمام نبوتك ودينك، { مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ } [الأنعام: 155] أي: فاعتصموا به، { وَٱتَّقُواْ } [الأنعام: 155] عن غير الله بالله، { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأنعام: 155] فتحوجون عن الوجود المجازي وتصلون إلى الوجود الحقيقي بنور القرآن، { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } [الأنعام: 156]، أي فاحترزوا { أَن تَقُولُوۤاْ } إذا لم تنتفعوا بالقرآن: { إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } [الأنعام: 156] { أَوْ تَقُولُواْ } [الأنعام: 157] أي: لئلا تقولوا، { لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } [الأنعام: 157] أي: في السير إلى الله.

السابقالتالي
2