ثم أخبر عن ثلاثة غير هذه بقوله تعالى: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } [الأنعام: 154] يشير إلى حال نبينا صلى الله عليه وسلم من وجهين: أحدهما: إنه تعالى لمَّا ذكر الخصال العشر وخصَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة وقال تعالى:{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ } [الأنعام: 153] ثم قال تعالى: { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً } [الأنعام: 154]، ثم أخبر منك يا محمد أن آتينا موسى الكتاب قبلك تماماً على الذي أحسن؛ يعني: إتماماً لدينك على من أسلم من أمتك إسلامه، فإن الكتب المنزلة كلها وشرائع الأنبياء - عليهم السلام - كانت تتمه للدين الخفي الذي هو الإسلام، وهو الدين المرضي بقوله تعالى:{ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [آل عمران: 19]، وبهذا السر أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتباع الأنبياء والاقتداء بهم، كما قال تعالى:{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [الأنعام: 90] للجمع بين هداه وهداهم إتماماً للدين وتكميلاً له فلم تم هداه بالقرآن، وتم اقتداه بهداهم قال تعالى:{ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } [المائدة: 3]. والوجه الثاني: إن الذي أحسن هو النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فأراد بالذي أحسن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان مخصوصاً من بين الأنبياء - عليهم السلام - بالرؤية؛ ولهذا السر قد سمَّاه الله تعالى محسناً بقوله:{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً } [النساء: 125]، فالمعنى: آتينا موسى الكتاب تماماً على محمداً؛ أي: لتكميله في النبوة والرسالة يدل عليه قوله تعالى:{ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [هود: 120]، { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 154] أي: وبياناً وشرحاً لدينه. { وَهُدًى وَرَحْمَةً } على أمته، { لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 154]؛ أي: لكي يؤمنوا هذه الأمة برؤية ربهم فهم مخصوصون بهذه الكرامة كما خص نبيهم بها فيتشمروا عن ساق الجد في طلبها ثم قال تعالى: { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ } [الأنعام: 155]، أي: أنزلناه أيضاً لإتمام نبوتك ودينك، { مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ } [الأنعام: 155] أي: فاعتصموا به، { وَٱتَّقُواْ } [الأنعام: 155] عن غير الله بالله، { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأنعام: 155] فتحوجون عن الوجود المجازي وتصلون إلى الوجود الحقيقي بنور القرآن، { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } [الأنعام: 156]، أي فاحترزوا { أَن تَقُولُوۤاْ } إذا لم تنتفعوا بالقرآن: { إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } [الأنعام: 156] { أَوْ تَقُولُواْ } [الأنعام: 157] أي: لئلا تقولوا، { لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } [الأنعام: 157] أي: في السير إلى الله.