الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

ثم أخبر عن المحرمات على البنين والبنات بقوله تعالى: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [الأنعام: 151] إلى قوله { تَتَّقُونَ } [الأنعام: 153].

الإشارة فيها إلى قوله تعالى: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } وآل على أن المحرم والمحل هو الله تعالى، وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله لك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبلغ والمبين ما أحل الله وما حرمه.

ثم اعلم أن هذه الآيات لتشتمل على عشر خصال جامعة للخير كله:

أولها: ألاَّ تشركوا به شيئاً قدم الشرك؛ فإنه رأس المحرمات،إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [النساء: 48]، فإنه لا يقبل معه شيئاً من الطاعات، وهو ينقسم إلى جلي وخفي؛ فالجلي: عبادة الأصنام ومتابعة الهوى في الأنام، فقال تعالى:أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الفرقان: 43]، والخفي: ملاحظة الأنام بعين استحكام الإعظام ورؤية الأغيار مع الله الواحد القهار.

وثانيها: قوله تعالى: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الأنعام: 151]، وإنما ذكر بعد تحريم الشرك تحريم العقوق والأمر بالإحسان إلى الوالدين؛ لأنهما سبب وجوده ومظهره، كما أن الله تعالى موجد وجوده ومبدعه ومبدئه فحرم عقوقهما بعد تحريم الشرك به، وأوجب الإحسان إليهما بعد القيام بعبادته، كما قال تعالى:أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الإسراء: 23]، إقامة لحقوقهما بعد الإقامة لحقوق الله تعالى، فالتقاعد عن أداء حقوقهما عقوق فهو أكبر الكبائر.

وثالثها: قوله تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [الأنعام: 151]، ثم حرم قتل الأولاد بعد تحريم العقوق؛ لما فيه من هدم بنيان الله تعالى، وملعون من هدم بنيانه، وفيه إبطال ثمرة، وشجرة وجوده، وقطع نسله، وفيه خشية إملاق؛ وهي ترك التوكل على الله وعدم الثقة بالله إن يرزقهم وذلك يؤدي إلى تكذيب الله تعالى؛ لأنه قال تعالى:وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [هود: 6].

ورابعها: قوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [الأنعام: 151]، ثم الفواحش جميعها، وقد يدخل في ذلك جميع أقسام الآثام ما ظهر منها: وهو ما يبعده من الجنة ويدينه، وباطن منها: وهو ما يبعده عن الحق ويحجبه عنه، وإن لم يحجبه عن الجنة ولم يبعده منها، وأيضاً ما ظهر منها بالفعل، وما بطن بالنية.

وخامسها: قوله تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [الأنعام: 151]، ثم حرَّم القتل إلا بالحق؛ أي: وإلا في طلب الحق، فإن المقتول في سبيل الله هو حي عند ربه، وفي قتل ترك تعظيم أمر الحق وترك الشفقة على الخلق وهما ملاك الدين { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } [الأنعام: 151]، يعني: هذه الخمسة المحرمة، { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الأنعام: 151]، لكي تعرفوا موجبات الانقطاع عن الله تعالى فتحرزوا عنها.

السابقالتالي
2