الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ } * { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ }

ثم أخبر بربوبيته عن هويته، بقوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ } [الأنعام: 141]، إلى قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ } [الأنعام: 144]، الإشارة فيها: إن الله تعالى عرَّف ذاته بصفاته، وقال: { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ }؛ بساتين في الظاهر كما مرَّ ذكره في المعاني، وبساتين في القلوب، مغروسات وغير مغروسات، كما هي قراءة علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه ورضي الله عنه - فالمغروسات: لمغرسة الله تعالى في أرض القلوب من شجرة الإسلام والإيمان والإحسان، وما يتعلق بصفات الحق تعالى، كما قال جل جلاله:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } [إبراهيم: 24]، وغير المغروسات: هي أشجار من صفات الروحانية، التي جبلت القلوب عليها مثل: السخاء والحياء والوفاء والمروة والفتوة والشفقة والعفة والحلم والعلم والعقل والشجاعة والقناعة وأمثالها، فإن بساتين القلوب بها موفقة، وشموس الأسرار منها مشرقة، وأنهار المعارف فيها زاخرة، وأزهار الشواهد عنها زاهرة.

{ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ } [الأنعام: 141]، يشير إلى: نخل الإيمان، وزرع للأعمال الصالحة، وزيتون الأخلاق الحميدة، ورمان الإخلاص، فإنه مختلف ثمارها متشابه أعمالها غير متشابه أحوالها، { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } [الأنعام: 141]؛ يعني: انتفعوا من ثمار الإيمان والأعمال والأخلاق والإخلاص بالشواهد، والأحوال بالدَّعاوي، والنيل قبل الإثمار، { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [الأنعام: 141]، حقه دعوة الخلق بالحكمة والموعظة إلى الحق وتربيتهم بالتسليك إليه، ويشير بيوم الحصاد: إلى أوآن بلوغ سلوك السالك مبلغ الرجال البالغين، عند إدراكه ثمرة الكمال للواصلين، دون السالك الذي يعد متردد بين المنازل والمراحل، فإن اشتغل بالدعوة ينقطع عن الوصول والوصال، والبلوغ إلى الكمال، { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } [الأنعام: 141]، والإسراف عند القوم: الشروع في الكلام قبل وقته والحرص على الدعوة، { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } [الأنعام: 141]، الموصوفين بهذه الصفات الممكورين المنكورين { وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً } [الأنعام: 142]، يشير بها: إلى أن الصفات الحيوانية التي هي مركزة في الإنسان، منها: ما هو مستعد لحمل الأمانة وتكاليف الشرع، ومنها: ما هو مستعد للأكل والشرب لعلاج القالب في قوام البشرية وقوام الإنسانية.

{ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } [الأنعام: 142]، فالرزق لا يتخصص بالمأكولات فحسب، بل هو شائع في جميع ما يحصل به الانتفاع، فالظاهر رزق: وهو النعم، والباطن رزق: وهو الكرم، فرزق القلب: هو التحقيق من حيث البرهان، ورزق السر: هو شهود العرفان بلحظة العيان، فانتفعوا من هذه الأرزاق، { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ } [الأنعام: 142]، في ترك الانتفاع ببعض هذه الأرزاق، ومبالغة الانتفاع ببعضها، { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [الأنعام: 142]، يخرجكم بالتفريط والإفراط عند حد الاعتدال.

السابقالتالي
2