الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ } * { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

{ وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } [الأنعام: 138]؛ يعني: قالوا هذه المقالة من هوى نفسهم، وميل طبيعتهم لامتثال الشرع، فإن نور الشرع مزيل لظلمة الطبع، والعمل بالطبع وإن كان فيه نوع من المجاهدات للنفس ومخالفاتها، فإن له ظلمة تزيد في ظلمة النفس والهوى، وظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } [النور: 40]، { وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ } [الأنعام: 138]، هذا كله من تسويسات النفس ووساوس الشيطان؛ ليضل بهما عن سبيل الله.

ثم قال تعالى في جوابهم: { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [الأنعام: 138]، ومجازاتهم بأن يطبع قلوبهم بطباع الافتراء، كما قال تعالى:بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } [النسا: 155]، أي: بطباع كفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً، وقالوا أيضاً: من هوى نفوسهم، { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ } ، ثم قال تعالى: في جوابهم: { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } [الأنعام: 139]، سيجزيهم بتغير وصفهم من الصدق إلى الكذب؛ أي: ينقلهم من الأوصاف الحميدة إلى الأوصاف الذميمة، { إِنَّهُ حِكِيمٌ } [الأنعام: 139]، فيما حكم به وقضى عليهم، عليم باستحقاقهم لما قدر عليهم، وأيضاً { عَلِيمٌ } [الأنعام: 139]، بتغير أوصافهم.

ثم أخبر عن خسرانهم فيما عملوا، وحرمانهم إذ ضلوا بقوله: { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ } [الأنعام: 140] والإشارة فيها: إن خسارة أهل الأهواء وخسارة أهل الطبيعة تصير إلى حد قتلهم أولادهم، وذلك من قساوة قلوبهم وتبديل أوصافهم؛ لافترائهم على الله تعالى، قال الله عز وجل: { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ } يعني: خسروا وأفسدوا استعدادهم الفطري، حتى نزعت الرحمة عن قلوبهم؛ لقسوتهم وتبديل أوصافهم حتى فعلوا ذلك، { سَفَهاً } [الأنعام: 140]، وجهلاً.

{ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 140]، يعني: عند عدم فقد قلوبهم وانقطاع الهامات الربَّانية عنها لقسوتها وانسداد مسالكها إلى عالم الغيب وعند ذلك، { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } [الأنعام: 140]، في الصورة والحقيقة، أمَّا الصورة: فرزقناهم، وأمَّا الحقيقة: فحرمناهم من كمالات مراتب أهل القرب من المشاهدات والمكاشفات الربَّانية، { ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ } [الأنعام: 140]، يعني: بسبب افترائهم على الله تعالى، فإنهم { قَدْ ضَلُّواْ } [الأنعام: 140]، بالافتراء عن طريق الحق؛ لفساد استعدادهم في الاهتداء إلى الله، { وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } [الأنعام: 140]، إذ افسدوا استعداد الاهتداء؛ فانسد عليهم طريق الثقة بالله، فحملتهم خشية الفقر على قتل الأولاد؛ ولذلك قال أهل التحقيق: من إمارات اليقين وحقائق كثرة العيال على بساط التوكل.