الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ } * { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

{ قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } [الأنعام: 135]، أي: على ما جبلتم عليه، { إِنَّي عَامِلٌ } [الأنعام: 135]؛ أي: على ما جبلت عليه نظيره قوله تعالى:قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } [الإسراء: 84]، { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [الأنعام: 135]، إذ ظهر لكم ما هو المودع في الاستعداد الفطري لكل واحد منا، من السعادة والشقاوة تعلمون، { مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ } [الأنعام: 135]؛ أي: دار النجاة والفلاح، { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ } [الأنعام: 135]، الذين يفسدون الاستعداد الفطري بصرفه في غير محله.

ثم أخبر عن إضلال الجهَّال بقوله تعالى: { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً } [الأنعام: 136]، إلى قوله:إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ } [الأنعام: 139]، الإشارة فيها: إن الله تعالى يشكو عن كافري نعمة الدين، خلقهم وأنعم عليهم بإيجاد الأنعام والحرث وقال: { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً }؛ أي: من جملة ما خلق لهم من الحرث والأنعام نصيباً، { فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ } [الأنعام: 136]، وإن لم يجعلوه خالصاً لله مع أنه تعالى أعطاهم جملته، ثم اتخذوا لله شريكاً، وجعلوا مما أنعم الله به عليهم وأعطاهم نصيباً لشركائهم، { وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } [الأنعام: 136]، ثم من جهلهم رجحوا جانب الشركاء على الله، { فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ } [الأنعام: 136]، بوجه من الوجوه، { وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ } [الأنعام: 136] من وجوه، { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } [الأنعام: 136] فيما أنعم الله به عليهم بأن يجعلوه لشركائهم، { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } [الأنعام: 137]، من الشيطان والنفس والهوى والدنيا، { لِيُرْدُوهُمْ } [الأنعام: 137]، ويهلكوهم، { وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } [الأنعام: 137]، الذي ارتضى لهم الله؛ ليعلموا: إن الذين اتخذوهم شركاء لله وجعلوا لها آلهة فإنهم عدوّ لي، كما قال خليل الله عليه السلام عند التبرؤ عن الشرك:فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 77].

وليعلموا: حقيقة،إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [المائدة: 55]، { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ } [الأنعام: 137]؛ لهداهم إلى اقتباس النور عند رشاشه على الأرواح بالأصالة، كما قال صلى الله عليه وسلم: " فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى " { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [الأنعام: 137]، فإن لنا في ذلك حكمة بالغة.