الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } * { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } * { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

ثم أخبر عن أهل الهداية والضلالة بقوله تعالى: { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ } [الأنعام: 125]، إلى قوله: { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 127]، الإشارة فيها: إن انشراح الصدر لمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام إنما يكون من وقع النور في القلب؛ وذلك لأن الله تعالى إذا أراد أن يهدي عبداً إلى حضرة جلاله ينظر إلى قلبه بنظر العناية؛ فينوره بنور جماله لينظر ببصيرة القلب من رؤية السر؛ فيهديه نور جماله إلى حضرة جلاله؛ فينشرح الصدر بضوء النور الواقع في القلب، وهذا الضوء هو المسمى بنور الإسلام؛ لقوله تعالى:أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [الزمر: 22]، والنور الواقع في القلب: هو المسمى بنور الإيمان مهما يكون من وراء الحجب الرقاق؛ أي: الحجب الروحانية، كلما كان الحجاب أرق يكون الإيمان والقلب أنور وأرق وأصفى إلى أن يصير الإيمان إيقاناً وكمال رقة بالحجاب، وتنور القلب إلى أن يصير الإيقان عياناً ضدد رفع الحجاب، وتجلي الحق تبارك وتعالى بصفة جماله إلى أن يصير العيان عيناً تجلي صفة جلاله.

{ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } [الأنعام: 125] يعني: ظلمات طبيعته وميلان هوى نفسه وطبعه، فيبقى في ضيق صفات بشريته، وحرج تعلقاته بالدنيا، وما فيها وتتبع شهواته ولذاته ظلمات بعضها فوق بعض حتى لا يبقى فيه الرجوع إلى الخالق من التمادي في الباطل، فلا يسوغه الشرب من المشارب الروحانية الربانية لإستهلاكه في الصفات الحيوانية النفسانية، وإن حكم عليه بإتباع الحق ليشق عليه.

{ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ } [الأنعام: 125]؛ لأنه سفلي الطبع لا يصعد إلا بالتصعيد والقسر، { كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ } [الأنعام: 125] الضلالة والبعد والطرد، { عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 125] لا يصدق الأنبياء والأولياء فيما أتاهم من فضله ولا يتبعونهم.

{ وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً } [الأنعام: 126]؛ أي: هذا الذي بيناه من الهداية والضلالة للسعداء والأشقياء طريق مستقيم لربك باللطف والقهر، فبجذبات اللطف كما ذكرنا يهدي السعيد إلى حضرة الربوبية بإقامة العبودية، وبخذلان القهر يضل الشقي عن الحضرة بإتباع الهوى والقطيعة، { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ } [الأنعام: 126] بين السعيد والشقي، { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } [الأنعام: 126] يتعظون ويتبعون سبيل الأنبياء والأولياء، ويتركون سبيل الشيطان والهوى، { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 127] أي: وراء السلامة عن القطيعة في مقام العندية بالوصول إلى الوحدة بعد الخروج من ظلمات الإثنينية.

{ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 127]؛ يعني: هو الذي يتولاهم بالإخراج عن ظلمات اثنينتهم والإيصال إلى نور ربوبيته، كما قال تعالى:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ }

السابقالتالي
2