الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } * { تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

{ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } [الواقعة: 86]؛ يعني: هلاَّ إن كنتم غير مملوكين مسخرين، { تَرْجِعُونَهَآ } [الواقعة: 87]؛ يعني: تردون الروح التي بلغت الحلقوم { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الواقعة: 87] بأنكم قادرون غير عاجزين، مالكون غير مملوكين، فإذا أعلمتم عجزكم فاعلموا أن الله الذي خلقكم بقدرته وأحياكم بإرادته وأماتكم بحكمته، قادر على أن يبعثكم من قبر قالبكم بعد موتكم، محط للسالك أن يتعين في حالة القبض، أن الله هو القابض لا يقدر على ترديد حياة البسط إذا نزعها الله عنه وتفوض أمره إلى مالكه الذي في قبضته متردد، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فإن شاء أماته بالقبض، وإن شاء أحياه بالبسط، وإن شاء أماته بالنكرة، وإن شاء أحياه بالمعرفة " ، بترك اختيار نفسه إلى مسلكه ليوصله إلى مرتبة، بترك اختياره للحق ويكون كالميت بين يدي الغسال في الحضرة يمشون على وجه الأرض مقصورين، كما قال صلى الله عليه وسلم: " من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الآخرة يمشي على وجه الأرض، فلينظر إلى هذا " ، وأشار إلى أبي بكر رضي الله عنه؛ لأنه شاهد في هذا اليوم أن الأمر لله، كما يشاهد الآخرون في الآخرة، ويقولون:وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار: 19]، ولو لم يترك السالك اختياره بالتفويض جميع أموره إليه لم يصل إلى مطلوبه البتة.

{ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } [الواقعة: 88-89]؛ يعني: روح من روح الذِّكر الروحي، وريحان من نسيم الذِّكر السري، وجنة نعيم من ذوق الذِّكر القلبي، { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ * فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } [الواقعة: 90-91]؛ يعني: سلامة لك من شؤم العقوبة والعذاب الدائم؛ لسلامة جوارحك وأعضائك عن ارتكاب المنهيات، وسلامة صدرك عن الغل والحقد والحسد، إنك من أصحاب اليمين، { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } [الواقعة: 92]؛ يعني: المكذبين باللطيفة الضالين في بيداء الشبه، فهم أصحاب المشأمة لشؤم تكذيبهم وتضليلهم مما كسبوه في دار الكسب من الحميم والجحيم؛ ولأجل هذا يجزيهم الله في الآخرة بمثل ما كسبوه لأنفسهم في دار الكسب، وبقوله تعالى: { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } [الواقعة: 93-94]؛ يعني: حميم عنصر مائية المستحق بنار الشهوات وجحيم عنصر نارية المشتعلة بريح الهوى المحملة بتراب الطبيعة المكدرة، { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } [الواقعة: 95]؛ يعني: إن هذا البيان لهو الحق؛ لأنه كلام الحق وبيانه عن عالم اليقين، وإما تخرب قواك بثلاثة أخراب، وجزاءهم بما كسبوا في دار الكسب من الأعمال الصالحة والفاسدة المدخرة لهم في دار الجزاء، فاعلم أن اللطائف المرسلة والحقائق الحقوقية المسكنة في جميع القوى العلوية والسفلية؛ هم المقربون السابقون، والقوى المؤمنة باللطائف المرسلة من القوى القالبية والنفسية، والقلبية والسرية، والروحية والخفية والحقية؛ هي من أصحاب اليمين السالمين من العقاب يوم المآب، المتنعمين بأعمالهم الصالحة الباقية لهم في دار الثواب، والقوى الكافرة القالبية والمشركة النفسية والمنافقة والقلبية والجاحدة السرية والمستكبرة الروحية والضالة الخفية ممن لم يؤمنوا باللطيفة الخفية؛ هي من أصحاب المشأمة المشئومين المكذبون الضالون، فأبشر أيها المحمدي إنك لست من أصحاب المشأمة إن كنت دخلت في دار التصديق وهو شهادتك بأن " لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " ومن وفق لهذه الشهادة من إخلاص وتصديق يكون من أصحاب اليمين ويكون رفيقه التوفيق، ولا يمكن للشيطان أن يقطع عليه الطريق، وإلى هذا أشار النبي الصادق الصدوق:

السابقالتالي
2