الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } * { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } * { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } * { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } * { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } * { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ }

أيتها القوى العلوية الساجدة، وأيتها القوة السفلية العابدة اعلما أن الساعة قد قربت، وافهما ما يقول الله تعالى في كلامه حيث يقول: { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [القمر: 1] يعني: قيامة القلب دنت، وعلامة دونها انشقاق قمر القلب، كما يقول بعده: { وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [القمر: 1] الهيبة الوارد القهري.

{ وَإِن يَرَوْاْ آيَةً } [القمر: 2]؛ يعني: القوى الكافرة القالبية والمشركة والمنافقة النفسية، آية انشقاق قمر القلب أو غيرهما من الآيات البينات الأنفسية { يُعْرِضُواْ } [القمر: 2] عن الآيات لبينة، { وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } [القمر: 2]؛ يعني: سحر بأعيننا واستمر فينا، وليست لهذه الآيات حقيقة، واستدلوا بعلمهم الحاصل من قبيل العقل أن الخرق والالتئام محال في الفلكيات، وما فطنوا أنه إن لم يكن هذا الأمر محالاً عند العقل، فكيف يكون إظهاره على يد البشر؟ ومعنى المعجزة أن الأناسي يعجزون عن إتيان مثل ما يأتي به صاحب المعجزة الذي هو إنس من الأناسي، فحملتهم شقاوتهم على إنكار المعجزة، وقدرهم إنكارهم سلاسل الاستكبار حتى لا يقبلوا الحق فأوردتهم شقاوتهم النار.

{ وَكَذَّبُواْ } [القمر: 3] اللطيفة الخفية المرسلة إلى جميع قوى اللطائف؛ ليدعوهم إلى الحق بالمعجزات القاطعة والآيات الساطعة، { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } [القمر: 3] المردية { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } [القمر: 3] بأهله من الخير والشر، فالخير مستقر بأهله في الجنة، كما يقول تعالى:لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ } [يونس: 26]، والشر مستقر بأهله في النار، كما يقول تعالى للذين أساءوا السوء؛ لأن كل أحد من الناس يعمل على شاكلته، ويختم له في نهايته على ما قدره الله له في بدايته من سعادته وشقاوته.

{ وَلَقَدْ جَآءَهُم } [القمر: 4]؛ يعني: أهل مكة، وجودهم الكافرة بالواد الخفي والبيان الجلي { مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } [القمر: 4]؛ يعني: من أخبار القوى المكذبة للطائف السالفة، ومما حان معهم من العذاب { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } [القمر: 4] من الزجر والوعظ؛ ليزدجروا عن التكذيب والإنكار.

{ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } [القمر: 5]، تامة بلغت منتهاها في الوعظ والزجر، { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } [القمر: 5]؛ يعني: ليست موعظة النذر بالحكمة البالغة الواردة للقوى الكافرة المشركة المستكبرة الناطقة، { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } [القمر: 6] أيتها اللطيفة الخفية؛ لأنهم جبلوا على الشقاوة { يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } [القمر: 6]؛ يعني: يوم يدعو داعي الأماني لقطع الأمنية وهو أنكر الأشياء؛ لأن قطع الرجاء عن المستغيث والبلاء أشد من البلاء، وأنكر العناء نريهم، { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ } [القمر: 7]، في تلك الأشياء؛ لأن قطع الحالة المنكرة؛ أي: دليله خاضعة ناظرة إلى كل من يمر عليهم بالذل والمسكنة ليرحم عليهم المار، { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } [القمر: 7]؛ يعني: حين يدعوهم الداعي خرجوا من قبور قوالبهم شاءوا أو أبوا، { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [القمر: 7] فتفرق، ويكون صور قواهم المكتسبة في البدن المجعول مثل الجراد المتفرق حيارى متفرقين، { مُّهْطِعِينَ } [القمر: 8] مسرعين مقبلين { إِلَى ٱلدَّاعِ } [القمر: 8]؛ وهو قواه أسرا قبليتهم المسلطة عليهم، { يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ } [القمر: 8] بالحق المنكرون آياته، المكذبون لطائفه المرسلة إليهم بالمعجزات الواضحة الآيات البينة، { هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [القمر: 8] صعب شديد، لا قدرة لنا على دفع الداعي المسلط علينا، ولا يسمع منا عذر ولا تنفعنا شفاعة، والله ما ذلك اليوم إلا يوم عسر عبوس، فالسعيد من أيقظ بهذه المواعظ وأقبل على الحق وأدبر عن الباطل، وترك الهوى واشتغل بعبادة المولى، وعلم أن الخروج من الدنيا والدخول في العقبى حتى كتبه الله على اللطيفة الإنسانية وتنعمها وتأملها أبد الآباد، سبب كسب البدن المكسب الباقي في هذا البدن المجعول الفاني من جواهر المفردات السفلية، ولطائف المفردات العلوية الحقيقة فيها وقت الإيجاد صدق لا شك فيه، كما أن الفرخ المستكن في البيضة إذا تمت مودته الفرخية كيف يُقَشِّر قشر البيضة، والمجعول بتربية دجاجة الروح الإنسية ويطير في هوى الهوية، ويسرح في رياض الجنة القلبية، ويأكل من ثمار معرفة الربوبية، ويشرب من شراب الألوهية، وكل هذا يحصل للسالك في الدنيا بالموت الاختياري، كما يقول الحكيم السني السيد المسمى بالسمناني - رحمه الله - بالفارسية بيت شريف:

بمير؛ أي: روست يبش أزمرك اكرمي نزندكي خواهي كه ادريس ازجنين مردن بهشتي كشت بيش أزماه.

السابقالتالي
2 3 4