الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } * { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } * { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } * { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } * { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } * { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } * { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } * { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } * { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } * { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } * { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } * { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } * { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ }

أيها المسبح بأعداد النجوم سبح عند نزول النجم الحقيقي الذي صار محلاً للقسم، حيث قال في كتابه المحكم: { وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [النجم: 1]؛ يعني: بحق اللطيفة الخفية النازلة على محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم، { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } [النجم: 2]؛ يعني: ما ضل محمد صلى الله عليه وسلم فيما اختار طاعة الله وعبادته، وما غوى فيما يأمركم به وينهاكم عنه، { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [النجم: 3]، وما يتكلم عن هوى نفسه أبداً، { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [النجم: 4]؛ يعني: ليس نطقه وكلامه إلا وحياً من الله تعالى يوحي إليه، { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [النجم: 5]؛ يعني: علمه جبرائيل الذي هو أمين الوحي، وحظك منه أيها السالك في عالم الأنفس أن تعلم أن الله أودع فيك اللطيفة الخفية؛ وهي داعية إلى الحق اللطائف القالبية والنفسية، والقلبية والسرية، والروحية والخفية، وقواها والوارد الذي يرد عليك عند التصفية والتزكية كان من عند الله، علمتك القوة الروحانية الشديدة على الشيطان.

{ ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } [النجم: 6]؛ يعني: ذي قوة معتدلة بأمر الحق عند اللطيفة الخفية، { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } [النجم: 7]؛ يعني: محمد كان بالأفق الأعلى حين ذي قوة استواء جبرائيل والأفق الأعلى كان لمحمد ولروحانيته؛ لأن أفقه كان أعلى الأفق، ولكل لطيفة أفق إلى ما فوقه وأفق إلى ما تحته، فلمحمد أفقان:

أفق الفوق إلى الحق: وهو الأفق المبين.

وأفق التحت إلى الخلق، والأفق الأعلى؛ أي: أفقه أعلى الأفق ومنتهى وصول اللطائف إليه، فكذلك للطيفتك الخفية أفقان فاطلب أفقها، واجتهد أن تأخذ من الحق في الأفق المبين؛ يعني: بلا واسطة ولا تقنع بالستور؛ لئلا تكون ممن أكل من تحته، وكن عالي الهمة لتأكل من الفوق والتحت ومن جميع الجهات، ثم لا تقنع بهذا حتى تصل إلى مقام تأكل منه، ولا يمكن لأحد أن يأكل من ذاته إلا بعد وصوله إلى الذات الواحدة وهلاكه فيها، وبيان سر الهلاك في الذات يقرع باب الطلع، وأما مأمور شدة فأعبر وأعتبر.

{ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } [النجم: 8]؛ يعني: نزل شديد القوة على اللطيفة ودنا منها فكان دنوه، { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 9] مقدار قوسين أو أدنى، افهم يا سالك أن اللطيفة الخفية دنت من الحق، فتدلت بنزولها من أفق الأزل إلى أفق الأبد حتى تصل أفق الأزل بالأبد، وهو عبارة عن { قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 9]، إشارة إلى: اتصال طرفي القوس عند غاية النزع، وهذه العبارة والإشارة يدلان على وصول اللطيفة الخفية إلى الحق على حد ما كان لأحد أن يتجاوز ذلك الحد، والذي أشار إليه المفسرون: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبرائيل بحيث سد الأفق قول صدق وكلام حق، ولكن ينبغي أن يعرف اللطيفة الجبرائيلية والأفق، ويعلم أن صورته كيف سرقت الأفق وما يعني سد الأفق، وحقائق هذه الأشياء متعلقة بحد القرآن مما لا يؤذن تفسيره، خذ من تفسير بطنه نصيب باطنك، وخذ من ظهره حظ ظاهرك؛ وهو الإيمان والإقرار مما قال الله تعالى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرادوا أراد رسول الله بذلك القول.

السابقالتالي
2