الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلطُّورِ } * { وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } * { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } * { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } * { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } * { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } * { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } * { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } * { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } * { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } * { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } * { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } * { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ }

{ وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ } [الطور: 1-2]، يشير إلى طور النفس الذي كلم الله عليه موسى القلب؛ لشرف استماع كلام الحق عليه صار محل القسم، فأقسم الله به وبكتاب كتبه الله تعالى { فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ } [الطور: 3]؛ أي: في قلوب منسوبة إلى الرقة يدل عليه قوله:كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [المجادلة: 22].

{ وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } [الطور: 4]، وهو سر قلوب العارفين معمور بأسرار الحق تعالى، { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } [الطور: 5]، وهو الروح المرفوع درجاته إلى الحضرة، وهو سقف بيت الغلبة.

{ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [الطور: 6]؛ أي: بحر قلب سُجر بنار المحبة ما قسم لعزة هذه الأشياء، { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } [الطور: 7]؛ أي: العذاب لأهل العذاب واقع بالنقد؛ لأن أشد العذاب ذل الحجاب كان من دعاء سري السقطى: اللهم مهما عذبتني فلا تعذبني بذل الحجاب والحجاب واقع؛ فإن أعظم الحجاب حجاب النفس { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [الطور: 8] من قبل العبد؛ بل دافع حجاب النفس وهو رحمة الله تعالى، كما قال تعالى:ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي } [يوسف: 53].

وبقوله: { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } [الطور: 9]، يشير إلى سماء القلب ومورة توجهه للحق تعالى بصدق الطلب، { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ } [الطور: 10] جبال النفس { سَيْراً } [الطور: 10] إلى عالم القلب، ومنه إلى عالم الأرواح، ومنه بجذبة:ٱرْجِعِي } [الفجر: 28] إلى حضرة الربوبية، { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ } [الطور: 11] حين ظفر الطالب بالمطلوب، ووصل المحب إلى المحبوب، { لِّلْمُكَذِّبِينَ } [الطور: 11] بهذا الحديث، من ينزل الحسرات الموقدة التي قطعت على الأفئدة من فوات هذه السعادة العظمى، والحرمان عن ما وعدناكم من عذاب خوضكم في الدنيا، ولعبكم بها من الغفلة ونيران الحسرات [والزفرات] { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ } [الطور: 12] الدنيا وشهواتها وزخارفها { يَلْعَبُونَ } [الطور: 12].

{ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } [الطور: 13] دعاء لا خلاص منها ولا رجوع، يناديهم عزة الحق تعالى: { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا } [الطور: 14-15]؛ يعني الذي { أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } [الطور: 15] حقائق هذه المعاني.

تفسير عين الحياة.

اعلم يا طالب النور على الطور والعلم في الكتاب المسطور، والحكمة على الرق المنشور، والحقيقة في البيت المعمور، والحق على السقف المرفوع، وسر الباطن في البحر المسجور، أن هذه لطائف أودعها الله في وجودك؛ لتعرف أسرارها، ويحصل لك بها السرور والحبور في القبور، ويتنعم بتلك اللطائف بعد النشور في مرر الحور، المنكبة على أريكة المعرفة فوق القصور، ويتقن بأن قالبك هو الطور، وسرك هو الكتاب المسطور، وقلبك هو الرق المنشور، وروحك هو البيت المعمور، وصفتك هي السقف المرفوع، ونفسك هي البحر المسجور في عالم الأنفس.

والله تعالى أقسم بما في الآفاق، كما فسره المفسرون بقوله تعالى: { وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ * وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ * وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [الطور: 1-6]، وعالم الآفاق ملك عالم الأنفس مظهر لصفة باطنية الحق، كما أن عالم الآفاق مظهر لصفة ظاهرية الحق تعالى، وهو تعالى عالم الغيب والشهادة، ويجوز أن يقسم بمظاهر ظاهريته وباطنيته، ولكن الطور الآفاقي لا يتعلق بك، وكل ما هو كائن في الآفاق إذا أخرجت من عالم بَذْلِك الآفاقي بقي في عالمه، ويكون بينك وبين ما فيه بعد المشرقين؛ فاطلب طوراً يكون معك بعد خروجك من عالم الآفاق، وهو طور قالبك الباقي بعد الحشر معك إما متنعماً في الجنة وإما متألماً في النار، واجتهد اليوم أن تجعله نوراً لا ظلمانياً؛ ليكون قبرك منوراً لا مظلماً مكدراً في البرزخ، ويكون مأواك الجنة لا جهنم بعد خلاصك من البرزخ، وإن لم تنوِّر طورك اليوم، ولم تسكن البحر المسجور الذي سجر بنيران الشهوة والغضب والكبر، بماء الذكر وثلج الرياضة وبرد الأخلاق الحميدة.

السابقالتالي
2