الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } * { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } * { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } * { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ }

{ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ } [الطور: 44] من غباوتهم وسفههم إنه { سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } [الطور: 44]؛ يعني: أنهم وإن رأوا كل آية لا يؤمنون، كما قال تعالى:وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } [الحجر: 14]، حتى شاهدوا باليقينلَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } [الحجر: 15]، وليس هذا عياناً ولا مشاهدة { فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } [الطور: 45]؛ أي: فأعرض عنهم حتى يلاقوا يومهم الذي يتجلى لهم الحق، فيصعقون عن أنانيتهم كما صعق موسى إذ تجلى ربه للجبل { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } [الطور: 46]؛ لأنه من صفات النفس، وقد ماتت النفس عن صفاتها بصعقة التجلي، { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [الطور: 46]، بشيء من الأوصاف البشرية.

{ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [الطور: 47] أنفسهم بإفساد الاستعداد الأصلي في قابلية الفيض الإلهي، { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } [الطور: 47]؛ أي: من صفات القهر دون صفات اللطف، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [الطور: 47]، اللطف من القهر ولا القهر من اللطف.

ثم أخبر عن الصبر أنه دافع للقهر بقوله تعالى: { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } [الطور: 48]؛ أي: فاصبر لما حكم به لك في الأزل؛ فإنه لا يتغير حكمنا الأزلي إن صبرت وإن لم تصبر، ولكن إن صبرت على قضائه؛ فقد جزيت ثواب الصابرين بغير حساب.

وفيه إشارة أخرى فاصبر لحكم ربك، { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } [الطور: 48] نعينك على الصبر لأحكامنا الأزلية، كما قال تعالى:وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [النحل: 127]، { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } [الطور: 48-49]، به يشير إلى مداومته على الذكر وملازمته بالليل والنهار.

تفسير عين الحياة.

{ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً } [الطور: 42]، يعني: بكيد القوى الروحية الدنسية الأنسية لغاية حسدها للطيفة الفائضة من الحق، وجهلها باشتقاق اللطيفة عليه؛ لقصور علمهم على شهواتهم العاجلة وينكرون اللطيفة، { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } [الطور: 42]؛ يعني: إذا خرجوا من عالم الخيال وعاينوا ما وعدتهم اللطيفة، وأوعدتهم في الغيب تحسروا من إنكارهم وكفرهم، ولا ينفعهم إلا العذاب الأليم الدائم؛ فكانوا في الحقيقة مكيدين بإعطاء اختيارهم وقوتهم التي بها كادوا اللطيفة وبإمهالهم زمان الإنكار.

{ أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } [الطور: 43]؛ أي: هم يقولون: إن إله اللطيفة إله آخر، وإلهنا إله آخر يأمرنا إلهنا بما نحن فيه، { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الطور: 43]، إن الله منزه عن الشرك مقدس عن النظير والتشبيه، متعالٍ عن أن يكون له ضد ولا ند في الملك والملكوت، وله فيهما ملكاً وطلقاً وملكاً حقاً من الشقائق والدقائق المتصلة بدقائق الجبروت، المربوطة بحقائق اللاهوت.

{ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً } [الطور: 44]؛ أي: عذاباً من سماء الصدر، نازلاً عن القوى الروحية المنوطة في النفس والقالب، يقولون قبل أن يصل إليهم أنهم { يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } [الطور: 44] بعضه ببعض؛ لتسقينا من مطر الرحمة.

السابقالتالي
2