الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } * { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } * { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } * { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } * { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } * { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } * { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ }

{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ } [الطور: 24] من واردات الحق تعالى، { كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } [الطور: 24]، لا كدورة فيهم من نقوش الدارين، والقوم عن الدار وعمن في الدارين مختطفون باستيلاء ما يستغرقهم من تتابع الكاسات في بحر الحياة.

{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ } [الطور: 25]؛ يعني: القلب والروح { عَلَىٰ بَعْضٍ } [الطور: 25]؛ يعني: على النفس { يَتَسَآءَلُونَ * قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ } [الطور: 25-26]؛ أي: قبل السير والسلوك { فِيۤ أَهْلِنَا } [الطور: 26]؛ أي: في عالم الإنسانية { مُشْفِقِينَ } [الطور: 26]، خائفين من سموم صفات البهيمية والسبعية والشيطانية والشهوات الدنياوية؛ فإنها مهب سموم قهر الحق تعالى، { فَمَنَّ ٱللَّهُ } [الطور: 27] تعالى { عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } [الطور: 27] سموم قهره، ولولا فضله ما تخلصنا منه بجهدنا وسعينا، بل { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ } [الطور: 28]، ونتضرع إليه بتوفيقه في طلب النجاة وتحصيل الدرجات، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ } [الطور: 28] لمن يدعوه، { ٱلرَّحِيمُ } [الطور: 28] لمن ينيب إليه.

ثم أخبر عن التذكير لدفع التقصير بقوله تعالى: { فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [الطور: 29-30]، يشير إلى أن طبيعة الإنسان متنفرة في حقيقة الدين، مجبولة على حب الدنيا وزينتها وشهواتها، والجوهر الروحاني الذي جبل على فطرة الإسلام في الإنسان موزع بالقوة كالجوهر في المعدن، فلا نستخرج إلى الفعل إلا بجهد جهيد، وسعي تام على قانون الشريعة، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده، وبعده بإرشاد ورثة علمه وهم العلماء الربانيون الراسخون في العلم من المشايخ المسلكين، وفي زمان كل واحد منهم.

والخلق مع دعوى إسلامهم ينكرون على سواهم في الأغلب، ويستعدون ترك الدنيا والعزلة والانقطاع عن الخلق، والتبتل إلى الله، وطلب الحق تعالى إلا من كتب الله في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه، وهو الصدق في الطلب وحسن الإرادة المنتجة في بذر،يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54]، وذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [المائدة: 54]، وإلا من خصوصية طبيعة الإنسان أن يمرق من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، وإن كانوا يصلُّون ويصومون، ويزعمون أنهم مسلمون ولكن بالتقليد لا بالتحقيق، اللهم إلا من شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه.

وفي قوله: { فَذَكِّرْ } إشارة أيضاً إلى أن التذكير على النبي والشيخ واجب في كل حال والعظة للخلق؛ ليحيي من حيي عن بينة وهلك من هلك عن بينة، ومن طبيعة الإنسان أن ينسب أهل التحقيق من الإنسان والمشايخ إلى الكهانة والجنون والسحر والشعر.

وبقوله: { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } [الطور: 31]، يشير إلى النصير في الأمور ودعوة الخلق، والتوكل على الله فيما يجري على عباده والتسليم لأحكامه في المقبولين والمردودين.

السابقالتالي
2