الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } * { فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } * { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ }

{ ٱصْلَوْهَا } [الطور: 16] أدخلوها لتذوقوا عذابها، { فَٱصْبِرُوۤاْ } [الطور: 16] في هذا البلاء { أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } [الطور: 16] حين لا ينفعهم الصبر؛ إذ لم تصبروا حين ينفعكم الصبر، { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } [الطور: 16] أجزعتم أم صبرتم؛ { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور: 16] في الدنيا من الخير والشر الذي تعملون في الآخرة من الصبر والخضوع والخشوع والتضرع والدعاء، فإنه لا ينفع شيء منها، والحاصل أن يقال:ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: 108].

ثم أخبر عن التقى وأرباب هذه الدرجات العلا بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } [الطور: 17]، يشير إلى أنهم في جنات القرب ونعيم المشاهدة في العاجل والآجل؛ إذ اتقوا بالله سواه.

{ فَاكِهِينَ } [الطور: 18]، متعجبين { بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } [الطور: 18] من أصناف ألطافه، { وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [الطور: 18] جحيم نفوسهم وعذابها وشهواتها.

{ كُلُواْ } [الطور: 19] من طعام المشاهدات، { وَٱشْرَبُواْ } [الطور: 19]، من شراب المكاشفات، { هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور: 19] من أنواع المجاهدات ورعاية آداب الرياضات، فإن المجاهدات تورث المشاهدات:
فاشرب على وجهها كَغُرَّتِها   مُدامةً في الكؤوس كالشَّررِ
{ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } [الطور: 20]، سرر الدرجات والقربات المفيضة في العبودية، { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } [الطور: 20]، من إنكار الحقائق الغيبية { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [الطور: 21] بهذا الحديث في طلب الحق تعالى من القلب والروح، { وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم } [الطور: 21] من النفس وصفاتها { بِإِيمَانٍ } [الطور: 21] بهذا الحديث { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الطور: 21]، وإن لم يكونوا مستعدين لنيل هذه الكمالات من الوصول والوصال بالاستقلال، { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم } [الطور: 21]؛ أي: ما ينقص من جزاء عمل القلب والروح { مِّن شَيْءٍ } [الطور: 21]، بسبب إلحاق النفس وصفاتها بهم في المقام.

{ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُم } [الطور: 21-22]؛ يعني: القلب والروح { بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [الطور: 22]؛ يعني: بما هو من مشارب النفس الحيوانية؛ تقويةً للروحانية وإمداداً للسير في الصفات الربانية.

{ يَتَنَازَعُونَ } [الطور: 23]؛ يعني: يتعاطون القلب والروح والنفس وصفاتها، { فِيهَا } [الطور: 23]؛ أي: في مقامات السير { كَأْساً } [الطور: 23] من مشارب الروح والقلب للنفس، وكأساً من مشارب النفس للروح والقلب، { لاَّ لَغْوٌ } [الطور: 23] من أوصاف البشرية { فِيهَا } [الطور: 23] في الكاسات؛ لينزله إلى مقام النفس { وَلاَ تَأْثِيمٌ } [الطور: 23] من أوصاف الروحانية؛ لعده بطبع الروحانية في الروحانية.

تفسير عين الحياة

{ ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الطور: 16]؛ يعني: صلوا الستار التي أنتم أوقدتموها، وأشعلتم حطب الحطام بنيرانها، { فَٱصْبِرُوۤاْ } وهو أمر على طريق الظن والاستهزاء بهم، { أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } وهو كلام يتكلم المتكلم به على طريق عدم الالتفات إلى حال المجرمين، { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } أن تصبروا على هذه النار { أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ }؛ لأن إخراجكم من هذه النار التي أنتم أشعلتموها في دار الكسب محال غير ممكن، هذا جزاؤكم على ما كسبتم من حطب الحطام، واجتهدتم في إيقاد النار، وبالغتم في اشتعالها بريح القوى.

السابقالتالي
2 3