الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [المائدة: 95]، بتحقيق الطلب والوصول في متابعة الرسول { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [المائدة: 95]، النكتة في أنه أباح الصيد لمن كان حلالاً وهم أهل السلوة من العوام الذين رضوا من الكمالات الدينية بالأعمال البدنية من تصور هممهم الدنية، وحرَّم الصيد على من كان حراماً وهم أهل المحبة المحرومون من الدنيا لزيارة كعبة الوصلة؛ يعني: من قصدنا فعليه بحسم الأطماع جملة، ولا ينبغي أن يكون له مطالبته بحال من الأحوال إلا طالب الوصال، ويقال العارف عبد الحق، ولا يكون للصيد صيد { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم } [المائدة: 95]؛ أي: من الطلاب إذا التفت بشيء من الدنيا { مُّتَعَمِّداً } [المائدة: 95]، وهو الذي واقف على مضرته وعالم بآفته فيغلب عليه الهوى ويقع فيه بحرص النفس { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } [المائدة: 95]، يجازي نفسه برياضة ومجاهدة يماثل المهالك اللذة والشهوة { يَحْكُمُ بِهِ } [المائدة: 95]؛ أي: بتكلف المجازاة { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } [المائدة: 95]، وهي القلب والروح يحكمان على مقدار الإيمان وعلى أنواع الرياضات بتقليل الطعام والشراب، أو ببذل المال أو بترك الجاه أو بالعزلة والخلوة وضبط الحواس { هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [المائدة: 95]؛ أي: خالصاً لله فيما يعمل بحيث يصلح لقبول الحق من غير ملاحظة الخلق { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ } [المائدة: 95]، وهم العقل والقلب والسر والروح والخفي، فإنهم كانوا محرومين من أغذيتهم الروحانية من صدق التوجه إلى الحق، وخلو من الأعراض عن الخلق ويخترع الصبر عن المكروهات والفطام عن المألوفات والشكر على الموهوبات والرضا بالمقدورات والتسليم الأحكام الأزليات { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } [المائدة: 95]، والصيام هو الإمساك عن ملاحظة الأغيار وطلب الاختيار والركون إلى غير الملك الجبار { لِّيَذُوقَ } [المائدة: 95]، النفس الأمارة بالسوء { وَبَالَ أَمْرِهِ } [المائدة: 95]؛ أي: تتألم بألم هذه المعاملات التي على خلاف طبعها جزاء وكفارة لما نالت من لذات الشهوات وخلوات الغفلات { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } [المائدة: 95]، من الطالبين قبل إقدام على الطلب { وَمَنْ عَادَ } [المائدة: 95]، إلى تعلق شي من الدنيا بعد الخروج عنها بقدم الصدق { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } [المائدة: 95]، بالخذلان في الدنيا والخسران في العقبى { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } [المائدة: 95]، لا يوجد من تعلقات الكونين حتى يتجرد الطالب عن القليل والكثير والصغير والكبير { ذُو ٱنْتِقَامٍ } [المائدة: 95]، ينتقم من أحبابه باحتجاب التعزز بالكبرياء والعظمة على قدر التفاتهم إلى غيره، وملاحظة ما سواه وينتقم من أعدائه بما قالهوَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام: 110].