الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }

ثم أمر الأولياء أن لا يتولوا الأعداء بقوله تعالى: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } [المائدة: 51]، إشارة إن: يا أهل الإيمان الحقيقي لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء في الحقيقة، فإنهم أعداء الله وأعداؤكم إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا كما قال تعالى:نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } [فصلت: 31]، وقال تعالى:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ } [البقرة: 257]، { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [المائدة: 51]، فإن الجنسية موجبة القسم ولهذا قال تعالى: { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة: 51]؛ يعني: ومن يتولهم ممن يتجلى تجلية الإسلام، ويتزيَّ بزي أهل الدين ظاهراً فإنه منهم أي: من طينتهم وخلقهم ووصفهم حقيقة وباطناً { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي } [المائدة: 51]، إلى الائتلاف أهل التعارف الروحاني { ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [المائدة: 51]، الذين هم أهل التناكر الواضعين المحبة والولاء في غير موضعه.

{ فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } [المائدة: 52]، عن جريان نور الإيمان والخلق عن التوحيد والعرفان { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } [المائدة: 52]؛ أي: في قوة أهل التناكر " فإن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " ، فمن تعمَّ فما يرهم وعمى بصائرهم حين حجبوا عن مقر التوحيد، وتغرقوا في أودية الحسبان والظنون تسبق موالاة الأعداء خوفاً من معادتهم، وطمعاً في المأمول من صحبتهم { يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } [المائدة: 52]، من دوائر الزمان وبوائر الحدثان { فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ } [المائدة: 52]، فتح عين قلوبهم ليشاهدوا أنهم في أسر العجز وذل الافتقار { أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } [المائدة: 52]، تصفيته مشارب الإكرام وإضاءة زواهد القرب ومشارق القلوب { فَيُصْبِحُواْ } [المائدة: 52]، عن ليلة الغفلة { عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ } [المائدة: 52]، من ظنون كاذبة { نَادِمِينَ } [المائدة: 52]، فحينئذ { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [المائدة: 53]، بأنوار الغيب في أستار القلوب { أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ } [المائدة: 53]، جهلاً عن أحوالهم في ملكهم { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } [المائدة: 53]، بالنفاق { إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ } [المائدة: 53]، في الوفاق { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } [المائدة: 53]، وبطلت آمالهم { فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } [المائدة: 53]، بإبطال الاستعداد الفطري في الدنيا واستحقاق دركات جهنم البعد في الآخرة.