الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

ثم أخبر عمن جعله مظهر قهره بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } [المائدة: 41]، والإشارة أن الله تعالى لما أقصى الكفار وأهل الشقاوة عن محل القرب وأرخى لهم عنان الإمهال للتعذيب حتى يسارعوا في بوادي البوار، وما هو في أودية الضلالة أمر رسوله بترك المبالاة بأمثالهم وقلة الاهتمام، وقال: { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [المائدة: 41]، يعني: الذين دخلت كلمة الإيمان في أفواههم ولم يدخل نور الإيمان في قلوبهم ولم تخرج ظلمة الكفر منها { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُو } [المائدة: 41]، أي: تابوا ظاهراً { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } [المائدة: 41]، أي: يصفون كذبات النفس في هواجسها { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } [المائدة: 41]؛ أي: يسمعون هذه الكذبات ويعملون ويسنون السنن السيئة لقوم آخرين من أمتك لم يأتوك بعد { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } ، اي: يغيرون قوانين الشريعة ويبدلونها بتمويهات الطبيعة { يَقُولُونَ } [المائدة: 41]، لرفقائهم من أهل الطبيعة ومن أضلهم عن جادة الشريعة { إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ } [المائدة: 41]؛ يعني: إن أوتيتم أرباب الشريعة مثل مقالاتنا ومعتقداتنا تناسب محالاتنا، فاقبلوا وإلا فاحذروا، وعما تقولوا من القرآن والأحاديث هذا حال أرباب الدعاوى العواري عن المعاني من المتفلسفة والإباحية، فقد أزلهم الشيطان عن الصراط المستقيم وأضلهم عن الدين القويم، وأوقعهم في الزلات والشبهات، فيؤولون القرآن والأحاديث على وفق أهوائهم ويقرون بآرائهم فعرف الله تعالى نبيه أنهم معزولون عن رحمته محتجبون بعزته، وإن من رؤية القسمة الأزلية والعزة الصمدية لا يفيده اهتمام المهتمين ولن ينفعه الشافعون.

{ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [المائدة: 41]، يعني: من أوثقه الله تعالى بالخذلان وأغرقه في الحرمان فليس إلى الأغيار حياته، ولا إلى الأغيار نجاته { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } [المائدة: 41]، يعني: أولئك الذين جبلوا على نجاسة الشرك، وما اقتضت الإرادة الأزلية والحكمة الإلهية أن يطهروا بماء إصابة النور إذا رش عليهم في بدء الخلقة من نجاسة ظلمة الشرك قلوبهم، ويقال من يروا الله فتنته من أرسل إليه غائمة الهوى، وسلط عليه نوازع المنى فأنى له بسوط القضاء فليس بلقاء غير الشقاء { لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } [المائدة: 41]، أي: في بدء الأمر من إخطاء النور المرشش { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 41]، من لقاء العلي العظيم فلا يدري أي: حالتيهم أقرب إلى استجلاب الذل وبدايتهم في الخذلان أم نهايتهم في الحرمان.