الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } * { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ }

ثم أخبر عن حظ اليهود والنصارى من الدنيا إذا نسوا حظهم من المولى بقوله تعالى: { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } [المائدة: 17]، إلى قوله: { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [المائدة: 18]، والإشارة فيهما أن الله تعالى أظهر ظلومية الإنسان وجهوليته عند الخذلان وعدم العناية حتى كفر بقول: { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } ولم يتفكر أن من اشتمل عليه أرحام الصلوات متى يفارقه نقص الخلقة وضعف البشرية ومن لاحت عليه شواهد التغير أنى يليق به نعت الألوهية فقال تعالى: { قُلْ } [المائدة: 17]، في جواب هؤلاء المغرورين الممكورين { فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [المائدة: 17]، يعني: أن الإله هو الذي يملك التصرف في الأشياء كلها ولا يملك أحد على التصرف فيه بشيء ما، فمن يملك من الله شيئاً بالدفع والمنع { إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [المائدة: 17]، قهراً منه بشؤم قولكم: إن الله هو المسيح ابن مريم: { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } [المائدة: 17]، يعني: يستحق الألوهية من له ملك السماوات والأرض وملك التصرف فيهما وتصرف لأحد فيه فيمنعه عن التصرف فيهما { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } [المائدة: 17]، لما يشاء متى يشاء كيف يشاء: { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [المائدة: 17]، يعني: الإله من يكون بهذه الصفة.

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ } [المائدة: 18]، من غاية خذلانهم وجهلهم وطغيانهم { نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ } [المائدة: 18]، أي: رسلنا أبناء الله يدل عليه قوله تعالى:وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [التوبة: 30].

{ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [المائدة: 18]، أي: نحن أولياؤه يدل عليه قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } [الجمعة: 6]، ثم ألزمهم الحجة وقال تعالى: { قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } [المائدة: 18]، إن كنتم أحباء الله والمعنى من تعذيبهم قولهم: { نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ } [المائدة: 18] فقد عذبهم بهذا القول عاجلاً لاستكمال تعذيبهم آجلاً بذنوب تقدمت منهم من تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وتغيير نعته وتحريف كلام الله تعالى { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } [المائدة: 18]؛ يعني: من عوام الخلق لا من الذين اختصهم بعد أن خلقهم في ظلمة الخلقة بإفاضة رشاش النور عليهم وإصابته، فإنهم الأولياء والأحباء وإن الله لا يعذبهم بذنوب تصدر منهم عند الابتلاء بل يتوب عليهم ويبدل سيئاتهم حسنات كما كان حال آدم عليه السلام كان منه ما كان كقوله تعالى:وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [طه: 121]، وكان من الله ما قال:ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } [طه: 122]، ثم أثبت الملك والقدرة والمشيئة والاختيار والإرادة كله لنفسه جل جلاله { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } [المائدة: 18]، من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإصابة رشاش النور في البداية وبالإيمان والعمل الصالح في الدنيا، وبالمغفرة ودخول الجنة وسعادة الرؤية في العقبى { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } [المائدة: 18]، من أهل الكتاب بإخطاء النور في بدء الخلقة وبالكفر والشرك في الدنيا وبالقطيعة والحجاب ودخول النار في العقبى { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } [المائدة: 18]، يتصرف في حكمه كيف يشاء فيجعل أقواماً مظهر صفات لطفه وجماله، كما فعل بأمة محمد صلى الله عليه وسلم وأقواماً مظهر صفات قهره وجلاله كما فعل بأهل الكتاب والمشركين منهم وسائر الكفار، { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [المائدة: 18]، للفريقين

السابقالتالي
2