الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

ثم أخبر عن إظهار عزته مع خواصه وصفوته بقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [المائدة: 116]، إشارة أن الحكمة في الخطاب مع عيسى عليه السلام بقوله تعالى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله مع علمه بأنه لم يقل من وجوه:

أولها: لأن يستخرج منه قوله { قَالَ سُبْحَانَكَ } [المائدة: 116]، وذلك المعنيين أحدهما ليعلم أمته والناس أجمعون أن حضرة جلالته، وشدة كماله أعظم وأعلى من أن يكون معه إله غيره.

والثاني: ليعلموا أن ليس لعيسى عليه السلام ولا أمه ولأحد من خلقه مرتبة الألوهية ولهذا قال: { مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } [المائدة: 116]؛ يعني: ليس لي استحقاق الإلهية ولكن كان حقيقة مع الأمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يكلم الكفار يوم القيامة، ولا ينظر إليهم فكلم عيسى عليه السلام بدلاً عنهم وكان الكلام حقيقة معهم.

والوجه الثالث: أنه تعالى نفى بهذا القول عن عيسى عليه السلام تهمة هذا المقام؛ لأنه ذكره بألف الاستفهام { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } والإثبات بعد الاستفهام نفي كما أن النفي بعد الاستفهام إثبات؛ كقوله تعالى:أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172]؛ أي: أنا ربكم ونظيره في النفي والإثبات كقوله تعالى:أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } [النمل: 60]؛ أي: ليس مع الله إله فمعناه قلت أنت للناس: اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، ولكنهم بجهلهم قد بالغوا في تعظيمك حتى طردك وجاوزا حدك في المدح ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ".

والوجه الرابع: قوله تعالى: { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } يشير به إلى القول بأمر التكوين كقوله تعالى:إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل: 40]، أانت خلقت فيهم اتخاذك وأمك بالإلهية أم أنا خلقت فيهم خذلانا؛ لعلمي بحالهم إنهم يستحقون لهذا الخذلان نظيره قوله تعالى:ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [الواقعة: 64]، وقولهءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } [الواقعة: 59]، وهذا نفي الفعل التكوين عن المخلوقين وإثباته لرب العالمين، كقوله تعالى:هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ } [فاطر: 3]، قال عيسى عليه السلام تعظيماً لله تعالى: سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أن أقول هذا القول للتكوين { إِن كُنتُ قُلْتُهُ } [المائدة: 116]؛ أي: هذا القول { فَقَدْ عَلِمْتَهُ } [المائدة: 116]؛ لأني لا أقدر على هذا القول إلا بإذن توجده في وتكونه بقولك كن { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي } [المائدة: 116]، أوجدته وكونته وما ستوحده فيها { وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } [المائدة: 116]، من صفاتك القديمة بالذات كما هي، وتعلم ما في نفسي من العجز والضعف والحاجة، ولا أعلم ما في نفسك من كمال القدرة والقوة والغنا { إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [المائدة: 116]، وهي نوعين: الغيب، وغيب الغيب؛ فالغيب ما غاب عن الخلق ولم يحتمل لهم أن يعلموه فهو حقيقة الذات وكمالية الصفات

السابقالتالي
2 3