الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } * { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

ثم أخبر عن كثرة السؤال أحثها تورث الملال بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } [المائدة: 101]، إشارة أن الله تعالى نهى أهل الإيمان أن يتعلموا علم اللدنية وحقائق الأشياء بطريق السؤال؛ لأنها ليست من علوم القال وإنها من علوم الحال، فقال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } ، أي: من حقائق الأشياء { إِن تُبْدَ لَكُمْ } [المائدة: 101]، بيانها بطريق القال { تَسُؤْكُمْ } [المائدة: 101]؛ إذ لم تهتدوا إلى الحقائق ببيان القال فتقع عقولكم المنسوبة بآفات الهوى والوهم والخيال في الشبهات فتهلكوا في أوديتها كما كان طوائف حال الفلاسفة؛ إذا طلبوا علوم حقائق الأشياء بطريق القال والبراهين المعقولة، فما كان منها مندرجة تحت نظر العقل المجردة عن شوائب الوهم والخيال أصابوها المتحذلقة منهم، وهو من يدعي الحذاقة أكثر مما عنده، وما ضاقت منه نطاق العقول عن دركها استزلهم الشيطان عند البحث والنظر عن الصراط المستقيم، وأوقعهم في أودية الشبهات بوادي المهلكات فهلكوا وأهلكوا خلقاً عظيماً بتصانيفهم في العلوم الإلهية، وبعضهم خلطوا العلم الأصول وقرروا شبهاتهم فيما ضلوا عن سواء السبيل، وما علموا أن تعلم علوم الحقائق بالقال محال، وإنما تعلمها يحصل بالحال كما كان حال الأنبياء - عليهم السلام - مع الله تعالى، فقد أعلمهم علوم الحقائق بالإرادات لا بالروايات، فقال تعالىوَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الأنعام: 75]، في حق النبي صلى الله عليه وسلم:لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } [طه: 23]، وقال صلى الله عليه وسلم إرثاء الأشياء كما هي، وكما كان حال الأمة مع النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم الكتاب بالقال، والحكمة بالحال بطريق الصحبة وتزكية نفوسهم عن شوائب آفات النفس وأخلاقها، كقوله تعالى فيمن تحقق له فوائد الصحبة على موائد المتابعةسَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [فصلت: 53]، ثم قال تعالى: { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ } [المائدة:101]، وإن كان لا يدلكم من السؤال عن حقائق الأشياء، فاسألوا عنها بعد نزول القرآن أي: عن القرآن ليخبركم عن حقائقها على قدر عقولكم، فأما العوام منكم فيؤمنون بمتشابهات القرآن فإنها بيان حقائق الأشياء ويقولون كل من عند ربنا ولا يتصرفون فيها بعقولهم طلباً للتأويل فإنهوَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } [آل عمران: 7]، وهم الخواص، وأما الخواص فيفهمون عما يشير القرآن إليه من حقائق الأشياء بالنور والإشارات والمتشابهات حالاً يفهِّم غيرهم، كما أشار تعالى بقصة موسى والخضر - عليهما السلام - إلى أن تعلم العلم اللدني إنما يكون بالحال في الصحبة والمتابعة والتسليم وترك الأغراض على الصاحب المعلم لا بالقال والسؤال بقوله تعالى:

السابقالتالي
2