الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

ثم أخبر عن أحوال أهل القتال بقوله: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } [الحجرات: 9]، يشير إلى أن المؤمن لا يخرج بالفسق عن الإيمان؛ لأن إحدى الطائفتين لا محالة فاسق إذا اقتتلتا وسماهما مؤمنين.

ويشير أيضاً إلى: أن الإصلاح بين المسلمين إذا تفاسدوا من أعظم الطلبات، وأتم القربات.

ويشير أيضاً إلى: وجود نصرة المظلوم؛ حيث قال: { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } [الحجرات: 9].

ويشير أيضاً إلى: أن النفس إذا أظلمت على القلب باستيفاء شهواتها واستعلائها في فسادها، يجب أن يقاتل حتى تثخن بالجراحة بسيوف المجاهدة، فإن استجابت بالطاعة فيعفي عنها؛ لأنها هي المطية إلى باب الله، { وَأَقْسِطُوۤاْ } [الحجرات: 9] بين القلب والنفس؛ لئلا يظلم القلب على النفس، كما لا تظلم النفس على القلب؛ لأن لنفسك عليك حقاً، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [الحجرات: 9]؛ أي: يؤدون إلى كل ذي حق حقه.

{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } [الحجرات: 10]، اعلم أن أخوة النسب إنما تثبت إذا كان منشأ النطف صلباً واحداً، فكذلك أخوة الدين منشأ نطفها صلب النبوة، وحقيقة نطفها نور الله فإصلاح ذات بينهم يرفع حجب أستار البشرية عن وجود القلوب؛ ليتصل النور بالنور من روزنة القلب؛ ليصيروا كنفس واحدة، كما قال صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون كنفس واحدة إذا اشتكى عضو واحد تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر " ، فأما شرط الأخوة فمن حق الأخوة في الدين أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وسترك ما ستره، وألاَّ يحوجه إلى الاستعانة بك والاستعانة تعيده، وتنصره ظالماً ومظلوماً، فمنعك إياه عن الظلم فذلك نصرك إياه، وألا تقصر في تفقد أحواله؛ بحيث يشكل عليك موضع حاجته، فيحتاج إلى مسألتك، ومن حقه ألاَّ تلجئه إلى الاعتذار بل تبسط عذره، فإن أشكل عليك وجهه عدت باللائمة على نفسك في خفاء عذره، وتتوب عنه إذا أذنب وتعوده إذا مرض، وإذا أشار إليك بشيء فلا تطالبه بالدليل وإيراد الحجة، كما قالوا:
لا يَسأَلونَ أَخاهُم حينَ يَندُبُهُم   في النائِباتِ عَلى ما قالَ بُرهانا
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهمو   لأيّة حرب أم لأي مكانا
{ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } [الحجرات: 10] في إخوتكم في الدين، بحفظ عهودهم ورعاية حقوقهم في المشهد والمغيب والحياة والممات، { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الحجرات: 10]، كما ترحمون.

ثم أخبر عن قوم يسخرون بمن يسخرون بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ } [الحجرات: 11]، يشير إلى أنه لا عبرة بظاهر الخلق، فلا ينظرون إلى أحد بنظر الازدراء والاستهانة والاستخفاف والاستحقار؛ ولأن في استحقار أخيك عجب نفسك مودع، كما نظر إبليس بنظر الحقارة إلى آدم عليه السلام، فأعجب بنفسه فقال:

السابقالتالي
2 3