الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } * { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً }

{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [الفتح: 1]، يشير إلى فتح باب قلبه صلى الله عليه وسلم إلى حضرة ربوبيته بتجلي صفات جماله وجلاله، وفتح ما انغلق على جميع القلوب، وتفصيل شرائع الإسلام، وغير ذلك من فتوحات قلبه؛ { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } [الفتح: 2]؛ أي: ليستر لك بأنوار جلاله ما تقدم من ذنب وجودك من بدء خلق روحك، وهو أول شيء تعلقت به القدرة، كما قال: " أول ما خلق الله روحي " ، وفي رواية: " نوري ".

{ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2]؛ أي: من ذنب وجودك إلى الأبد، وذنب الوجود هو إلى الأبد، وذنب الوجود هو الشركة في الوجود وغفره ستره بنور الوحدة؛ لمحو آثار ظلمة الاثنينية، { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } [الفتح: 2]، وهي نور وحدانيته كما قال تعالى:وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } [الصف: 8]؛ ولهذا سماه الله نوراً بقوله:قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } [المائدة: 15].

{ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح: 2]؛ أي: يهديك بجذبات ألطافه على صراط مستقيم عنايته إلى ذاته وصفاته، { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } [الفتح: 3]؛ أي: ينصرك ببذل وجودك المجازي في وجوده العزيز الحقيقي.

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ } [الفتح: 4] من أنوار ولاية نبوته { فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الفتح: 4] بتوجه قلوبهم إلى الإيمان بنبوته؛ { لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً } [الفتح: 4]؛ أي: إيماناً بنبوته { مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ } [الفتح: 4] بالله، والسكينة: ما يسكن إليه القلب من أنوار الإيمان والإيقان والعرفان بالدلائل والبرهان والعرفان بمشاهدة العيان، بل الاستغراق في بحر العين بلا أين { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الفتح: 4]؛ أي: كلها دالة على وحدانيته، وهي جنود الله بالنصرة لعباده بالظفر بمعرفته، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } [الفتح: 4] بمن هو أهل النصرة للمعرفة { حَكِيماً } [الفتح: 4] فيما حكم في الأزل لهم.

{ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [الفتح: 5]؛ أي: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [الفتح: 1]؛ ليغفر لك الله وليدخل المؤمنين والمؤمنات بتبعيتك { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } [الفتح: 5] بستر ذنوبهم وبحطها عنهم، ويزكيهم عن أخلاقهم الذميمة كما فعل بك، { وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ } [الفتح: 5]، لهم { فَوْزاً عَظِيماً } [الفتح: 5]؛ إذ فازوا بالنعيم المقيم وجوار الله العظيم.