الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } * { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً }

ثم أخبر عن الحمية الجاهلية بقوله تعالى: { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } [الفتح: 26]، يشير إلى أن خاصية أهل الخذلان، فإنه تعالى إذا أخذل أحد وكله إلى نفسه، فنفسه الأمارة بالسوء تأمره بالفواحش والأخلاق الذميمة إلى أن يتعدى إلى قلبه، والقلب يتصف بصفات النفس، فالحمية الجاهلية هي: أنفة النفس تعدت إلى قلوب أهل الخذلان.

ثم أخبر عن أهل العناية بقوله: { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الفتح: 26]، وهي نور نظر العناية إلى قلوب أهل العناية، ومن نتائج النظر { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } [الفتح: 26]، وهي كلمة لا إله إلا الله إلزام إكرام، ولطف بأن حبب إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم حتى اتقوا بوحدانيته عما سواه، { وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } [الفتح: 26] مع جميع الأمم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان خلاصة الموجودات وأصلها، وهو الحبيب الذي خلقت الموجودات بتبعيته، والكلمة هي صورة الجذبة التي توصل الحبيب بالحبيب والمحب بالمحبوب، فهي بالنبي أحب؛ لأنه هو الحبيب لتوسله إلى حبيبه، وأمته أحق بها من الأمم؛ لأنهم المحبون لتوصل المحب بالمحبوب، وهم أهلها لأن أهل هذه الكلمة من يفدي بذاته وصفاته من حقيقة الكلمة، فينتفي بنفيها عن ذاته وصفاته، ويبقى بإثباتها معها بلا أنانية، وما بلغ هذا المبلغ بالكمال إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: " أما أنا فلا أقول أنا وأمتي " ؛ لقوله تعالى:كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110]، { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } [الفتح: 26] في الأزل فينا وجود كل إنسان على ما هو أهله، فمنهم: أهل الدنيا، ومنهم: أهل الآخرة، ومنهم: أهل الله وخاصته.

وبقوله: { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ } [الفتح: 27]، امتحن المؤمن والمنافق بهذه الرؤيا؛ إذ لم يتعين وقت دخولهم فيه، فأخر الدخول تلك السنة، فهلك المنافقون بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فيما وعدهم بدخول المسجد الحرام، وازداد كفرهم ونفاقهم، وازداد إيمان المؤمنين بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم مع إيمانهم، وانتظروا صدق رؤياه فصدق الله ورسوله الرؤيا بالحق، فهلك من هلك عن بينة وحيي من حيي عن بينة ولذلك قال تعالى: { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } يعني: من تربية نفاق أهل النفاق وتقوية إيمان أهل الإيمان { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } من فتوح الظاهر والباطن.