الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

{ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ } [الفتح: 24]؛ أي: أيدي النفوس بالاستيلاء { عَنكُمْ } [الفتح: 24]؛ أي: عن قلوبكم { وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ } [الفتح: 24]، وهي مكة الروح في بطنه كعبة القلب، { وَأَيْدِيَكُمْ }؛ أي: أيدي قلوبكم، { عَنْهُم } عن النفوس من أن تهلكها بالمجاهدة والرياضة، { مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } [الفتح: 24]؛ لأن الحكمة في جهاد النفس تزكيتها، والظفر بها لإهلاكها، فإنها مطية الروح ومشقها، بها يبلغ كعبة الوصال؛ ولهذا قيل لبعضهم: إلى متى ينتهي طلب الطالبين؟ قال: إلى الظفر بنفوسهم { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } [الفتح: 24]؛ أي: بما تعلمون في طلبه بالصدق بصيراً بأن يهديكم إلى الحضرة، ويكف أيدي النفوس عنكم؛ لئلا يقطع الطريق عليكم.

{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الفتح: 25]؛ أي: النفوس المتمردة، { وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [الفتح: 25]، وهي كعبة القلب، { وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً } [الفتح: 25]، وهو كل ما يتقرب به إلى الله من النفس والمال { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } [الفتح: 25]، ومحله الصدق والإخلاص يعني: من خاصة النفس أن تصد وجه الطالب عن الله، وبنشوب الخيرات والصدقات التي يتقرب بها إلى الله بالرياء والسمعة والعجب؛ لئلا يبلغ محل الإخلاص والقبول.

وبقوله: { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ } [الفتح: 25]، يشير إلى بعض صفات النفس أنها قابلة للفيض الإلهي لم تعرفوا أحوالها، أن تقهروها لو سلطناكم عليها؛ { فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } [الفتح: 25]، بإفساد استعدادها لقبول الفيض الإلهي، { بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الفتح: 25] منكم بما يفوتكم من إعوازها؛ { لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } [الفتح: 25] بالوصول إلى حضرته، { مَن يَشَآءُ } [الفتح: 25] من عباده على مطية النفس المطمئنة المظفرة بها، كما قال تعالى:يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ *ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 27-28]، فحقيقة معنى الآية: لولا هذه المصالح في استيفاء النفس بعد اطمئنانها وتزكية صفاتها، { لَوْ تَزَيَّلُواْ } [الفتح: 25] تميزوا عند التزكية، ما منها صفة لا تصلح في استيفاء النفس بعد اطمئنانها إلا قلعها، كالكبر والشدة والحسد والحقد، ومنها ما تصلح للتبديل: كالبخل بالسخاوة، والحرص بالقناعة، والغضب بالحلم، والجبانة بالشجاعة، والشهوة بالمحبة؛ { لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } [الفتح: 25] من النفوس المتمردة { عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح: 25] للهلاك.