ثم أخبر عن وعد المغانم ونيل الغنائم بقوله تعالى: { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } [الفتح: 20]، يشير إلى ما وعد الله عباده من المغانم الكثيرة بقوله:{ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60]، يأخذونها كل واحد بحسب مطرح نظره وعلو همته، فمن كانت همته الدنيا تعجل لكم هذه، ومن كانت همته الآخرة، { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } [الفتح: 20]؛ أي: أيدي دواعي شهوات النفس عنكم؛ لتكونوا من أهل الجنة لقوله:{ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ * فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [النازعات: 40-41]، ولو وكلكم إلى أنفسكم لاتبعتم الشهوات؛ وهي: دركات الجحيم إذ حفت النار بالشهوات، { وَلِتَكُونَ } [الفتح: 20] في ترك الدنيا وشهوات النفس { آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ } [الفتح: 20]، يهتدون بهديكم، { وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [الفتح: 20] إلى حضرة الربوبية. وذلك قوله: { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } [الفتح: 21]؛ أي: أنتم تقدرون سلوك طريق الجنة على قدمي الإيمان والعمل الصالح، ولا يقدرون على سلوك طريق الوصول إلى الحضرة، { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } [الفتح: 21] بتجلي صفات جماله وجلاله، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } [الفتح: 21] من أنواع التجلي بحسب استعداد كل طالب له، { قَدِيراً } [الفتح: 21] بأن يتجلى له، وهي المغانم الكثيرة على الحقيقة. { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ } [الفتح: 22] من نفوسكم المتمردة { لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ } [الفتح: 22]؛ لأني ناصركم على قتال نفوسكم، { ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ } [الفتح: 22] من دوني { وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [الفتح: 22] ينصرهم. { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ } [الفتح: 23]؛ يعني: في التقدير الأزلي { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [الفتح: 23] إلى الأبد، فإن المنصور من نصره الله وإن المقهور من قهره الله.