الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

ثم أخبر عن قتال ناس أولي بأس بقوله تعالى: { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } [الفتح: 16]، يشير إلى أن النفوس المتخلفة عن الطاعات والعبادات من الفرائض والنوافل لو دعيت إلى الجهاد في سبيل الله، والجهاد الأكبر وهو جهاد النفس والشيطان والدنيا، { تُقَاتِلُونَهُمْ } بنهي النفس عن الهوى وترك الدنيا وزينتها، فإذا أجابوا أو أطاعوا فقد استوجبوا الأجر الحسن، وذلك قوله: { فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ } [الفتح: 16]؛ أي: إن أعرضتم عن الجهاد كما أعرضتم عن الطاعات والعبادات، { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح: 16]، يتألمون به في الدنيا والآخرة.

وبقوله: { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } [الفتح: 17]، يشير إلى أن أصحاب الأعذار من أرباب الطلب، فمن عرض له مانع يعجزه عن السير بلا عزيمة منه، وهمته في الطلب ورغبته في السير وتوجهه إلى الحق باقٍ فلا حرج عليه فيما يعتريه، فيكون أجره على الله، وذلك قوله: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الفتح: 17]؛ يعني: بقدر الاستطاعة { يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ } [الفتح: 17]؛ يعني: يعرض عن الله وينقض عهد الطلب، { يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح: 17].

وبقوله: { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } [الفتح: 18]، يشير إلى أن الله تعالى بفضله وكرمه رضي عنهم أولاً؛ ليكونوا مؤمنين، ويبايعونك ثانياً، ولولا سبقت رضاه لم يؤمنوا ولم يبايعوك، { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } [الفتح: 18] من الضعف والعجز الإنساني؛ { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } [الفتح: 18]، إذا نظر إلى قلوبهم بنظر الرضاء، { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } [الفتح: 18] من مغانم الدنيا والآخرة، وذلك قوله: { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } [الفتح: 19]، أعزهم بالمغانم في الدنيا والآخرة حكيماً في جميع أفعاله مع عباده.