الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } * { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [محمد: 1]، يشير إلى كفر النفوس المجبولة عليه وضد القلوب المجبولة على طلب الحق عن السير في سبيل الله، بالهواجس النفسانية ودواعي البشرية والشهوات الحيوانية { أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } [محمد: 1]؛ أي: أضل الله أعمالهم ليكون في طلب الحق تعالى، ويجعلها في إتباع الهوى وطلب الدنيا وزينتها وشهواتها.

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [محمد: 2] بالله، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [محمد: 2] في طلب الله، { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } [محمد: 2] من بيان السير إلى الله والدلالات إلى الحق، { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } [محمد: 2]؛ أي: أمنوا بأنه الحق وعملوا به في طلب الحق، { كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } [محمد: 2]؛ أي: محا وصقل عن مرآة قلوبهم صدأ الكفر والإنكار، { وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } [محمد: 2]؛ أي: أصلح قلبهم؛ ليكون قابلاً للفيض الإلهي بلا واسطة.

{ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ } [محمد: 3] وهو الهوى والدنيا، { وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ } [محمد: 3]، وهو صدق الطلب بجهاد النفس ومخالفة الهوى بجذبة الحق تعالى، { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } [محمد: 3]؛ ليهتدوا بالمثال المطابق في الصورة إلى حقائق عالم المعالي.

وبقوله: { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } [محمد: 4]، يشير إلى كافر النفس حيثما وجدتموه، وهو يمد رأسه إلى مشرب من مشارب الدنيا ونعيمها، فضرب الرقاب؛ أي: فاضربوا عن ذلك الرأس، وادفعوه عن ذلك المشرب، { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } [محمد: 4]؛ أي: غلبتموهم وسخرتموهم، { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } [محمد: 4]؛ أي: شدوهم بوثاق أركان الشريعة وآداب الطريقة، فإن بهذين الجناحين يطير صاحب الهمم العلية إلى عالم الحقيقة، { فَإِمَّا مَنًّا } [محمد: 4] على النفوس { بَعْدُ } [محمد: 4] الوصول بترك المجاهدة، { وَإِمَّا فِدَآءً } [محمد: 4] بكثرة العبادة؛ عوضاً عن ترك بعد الظفر بالنفوس؛ ولتأمل النفوس بسيف المخالفة، فإن في مذهب أرباب الطلب يجوز كل ذلك بحسب نظر كل مجتهد، فإن كل مجتهد منهم نصيب { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } [محمد: 4] إلى أن يقصد القاصد المقصود، ويجد الطالب المطلوب، ويصل العاشق المعشوق، فإن جرى على النفس بعد الظفر بها مسامحة في إعفاء ساعة وإفطار يوم؛ ترويحاً للنفس من الكد وإحماءها للحواس، قوةً لها على الجهد فيما يستقبل من الأمر، فذلك على ما يحصل به الاستصواب من شيخ المريد، أو فتوى لسان القوم أو فراسة صاحب الوقت، { ذَلِكَ } [محمد: 4] الذي ذكرت من طرف العبد، { وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } [محمد: 4]؛ يعني: بقهر النفس يتجلى صفات الجلال بغير سعي المجاهدة في القتال، { وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ } [محمد: 4]؛ يعني: في النفوس { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [محمد: 4] في طلب الحق تعالى، { فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 4] من بذل الوجود في طلب المعبود.