الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } * { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } * { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } * { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ }

ثم أخبر عن أمارة أهل الوفاق وأهل النفاق بقوله تعالى: { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ } [محمد: 20]؛ يعني: نأمر بالجهاد، يشير إلى أن من أمارات الإيمان تمني الجهاد؛ شوقاً إلى لقاء الله عز وجل.

وبقوله: { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [محمد: 20]، يشير إلى أن من أمارات الكفر والنفاق كراهية الجهاد كراهة للموت، كما أن من أمارات الإيمان تمني الموت، كما قال تعالى:فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الجمعة: 6]، وقال الكفار ولا يتمنوه أبداً، { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } [محمد: 20]؛ أي: فأولى بهم { طَاعَةٌ } [محمد: 21] منهم لله ولرسوله { وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } [محمد: 21]، بالإجابة لما أمروا بالجهاد، { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } [محمد: 21]؛ أي: جد الأمر وافترض القتال في الجهادين.

وبقوله: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ } [محمد: 22]، يشير إلى أرباب الطلب وأصحاب المجاهدة، إن أعرضتم عن طلب الحق تعالى: { أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [محمد: 22]، أرض قلوبكم بإفساد استعدادها لقبول الفيض الإلهي، { وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } [محمد: 22] مع أهل الحب في الله؛ فتكونوا في سلك { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } [محمد: 23].

وهذا كما قال الجنيد: لو أقبل صديق على الله ألف سنة، ثم أعرض عنه لحظة فإن ما فاته أكثر مما ناله، { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ } [محمد: 24]، فإن فيه شفاء من كل داء؛ ليقضي بهم إلى حسن العرفان، ويخلصهم من سجن الهجران، { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } [محمد: 24]، أقفل الحق على قلوب أهل الهوى، فلا يدخلها زواجر التنبيه، ولا ينبسط عليها شعاع العلم، ولا يحصل لهم فهم الخطاب، وإذا كان الباب مقفلاً فلا الشك والإنكار الذي فيها يخرج، ولا الصدق واليقين الذي هم يدعون إليه يدخل في قلوبهم.

وبقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } [محمد: 25]، يشير إلى الذي يطلع فجر طلبه، ويتلألأ نور التوحيد في قلبه، ثم قبل سوغ نهار إيمانه تغيم سماء قلبه من منشأ نزعات الشيطان وتسويلاته، وانكسف شمس طلبه، وأظلم نهار عرفانه، ودجى ليل سكره، وغابت نجوم عقله؛ فحدث عن بحر ظلماتهم ولا حرج.