الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } * { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ }

{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [محمد: 12]؛ إذ هو مولى لهم بنصرهم، { جَنَّاتٍ } [محمد: 12] وهي جنات القلوب، { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [محمد: 12] والفضائل والمناقب والمواهب، { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [محمد: 12]؛ أي: النفوس المتمردة { يَتَمَتَّعُونَ } [محمد: 12] بمتاع الدنيا، { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } [محمد: 12]؛ للحظوظ النفسانية لا للحقوق الربانية، { وَٱلنَّارُ } [محمد: 12] نار القطيعة { مَثْوًى لَّهُمْ } [محمد: 12] مقام لهم.

{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } [محمد: 13]، يشير به إلى روح الإنسان وقرية قالبه؛ أي: كم من قالب هو أقوى وأعظم من قالبك، الذي يخرج منه، { أَهْلَكْنَاهُمْ } [محمد: 13] بالموت، { فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } [محمد: 13] في دفع الموت عنهم؛ فانتبه واعتبر.

{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ } [محمد: 14] بإراءته آياته في الآفاق وفي نفسه، عند تصفية مرآة قلبه عن صدأ أخلاقه الذميمة النفسانية، فيكاشفه شواهد الحق معانيه، { كَمَن زُيِّنَ لَهُ } [محمد: 14] بتسويلات النفس، وإلقاء الشيطان وتزينه { سُوۤءُ عَمَلِهِ } [محمد: 14] بالبدعة ومخالفة الشرع، { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } [محمد: 14] في العقائد القلبية والأعمال القالبية.

وبقوله: { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ } [محمد: 15]، يشير إلى جنة قلوب أرباب الحقائق، الذين هم على بينة من ربهم، التي وعد من اتقى بربه عما سواه فيها أنهار { مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ } [محمد: 15]، وهو ماء حياة القلوب؛ فإنه لم يأسن بطول المكث، بل يزداد طيبه، { وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ } [محمد: 15]، وهو لبن الفطرة التي فطر الناس عليها، { لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } [محمد: 15] بحموضة الأهواء والبدع، { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } [محمد: 15]، وهي خمر الشوق والمحبة، كما قال شاربها:
شربت الحب كأساً بعد كأس   فما نفد الشراب وما رويت
{ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ } [محمد: 15]، وهو عسل الوصال { مُّصَفًّى } [محمد: 15]، عن كدر الملال بمشاهدة الجمال، منزهة عن المثل والمثال بلا زوال ولا انتقال، فمن الحس عسل اللقاء أنس على الدوام ببقائه، ولم يطلب مع بقائه شيئاً آخر لا من عطائه ولا من لقائه؛ لاستهلاكه في علائه عند سطوات كبريائه، { وَلَهُمْ فِيهَا } [محمد: 15] في جنة القلوب { مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } [محمد: 15]، التي جنت أرباب الحقائق من شجرة الكلمة الطيبة، { وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } [محمد: 15]، يغفر عنهم ذنب وجودهم، { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ } [محمد: 15]؛ أي: مثل أرباب اللقاء - كما مر ذكرهم - كمثل أصحاب الشقاء وخلودهم في نار الجفاء، { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً } [محمد: 15] من عين الهجران بكأس الخذلان { فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15] من الحرمان.