الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ } [الأحقاف: 6]؛ أي: إذا نشر عن نوم غفلتهم، بل أحيوا بحياة الله { كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [الأحقاف: 6]، كما كان حال إبراهيم عليه السلام إذ قال:فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 77]، وقال:وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } [الأنعام: 19].

{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } [الأحقاف: 7]؛ ذلك لأنهم عموا عن رؤية الحق وصمُّوا عن سماع الحق، فرموا رسلنا بالسحر وكلامنا بالافتراء، كما قال: { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ } [الأحقاف: 8]، يا محمد { إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [الأحقاف: 8]، أن يدفعوا عني عذابه { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } [الأحقاف: 8]، في حقي وفيما تظنون { كَفَىٰ بِهِ } [الأحقاف: 8]؛ أي: بالله { شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } [الأحقاف: 8]؛ أي: هو يجازيني إن كنت ساحراً أو مفترياً، وإن كنت صادقاً فيما جئت به منه فهو يكافئني، { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ } [الأحقاف: 8]، المخلص مع عباده { ٱلرَّحِيمُ } [الأحقاف: 8] بهم.

ثم أخبر عن حال الرسالة بقوله تعالى: { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 9]، يشير إلى أني لست بأول رسول أرسلت، ولا بغير ما جاءوا في أصول التوحيد، حيث إنما أمرتكم بالإخلاص في التوحيد والتصديق في العبودية، " وبعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ،وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [الأحزاب: 46] بنور الفيض الإلهي؛ لتكونوا مستفيضين من نور سراجي بمصباح قلوبكم فتضيء بنار النور الإلهية،نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ } [النور: 35].

وبقوله: { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } [الأحقاف: 9]، يشير إلى فساد أهل القدر والبدع، حيث قالوا إيلام البريء قبيح في العقل فلا يجوز؛ لأنه لو لم يجوز ذلك لكان يقول: اعلم قطعاً أني رسول الله معصوم؛ فلا محالة يغفر لي، ولكنه قال: { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } ليعلم أن الأمر أمره، والحكم حكمه، له أن يفعل بعباده ما يريد، ولا يسأل عما يفعل، { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ } [الأحقاف: 9]؛ بخاصة نفسي مستسلماً لأحكامه الأزلية، { وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الأحقاف: 9]، لكم أرسلت إليكم مبلغاً، وليس إليَّ من الهداية شيء، ولكن الله يهدي من يشاء.

وبقوله: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ } [الأحقاف: 10]، يشير إلى أنه لا عذر له بحال ولا أمان لهم من عقوبة الله، وما يستروحون إليه من حججهم عند أنفسهم كلها في التحقيق باطل، إذا شهد على مثله شاهد { فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } [الأحقاف: 10]، استكبار إبليس جحوداً وعناداً { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [الأحقاف: 10]، الذين يضعون الجحد والعناد موضع الإقرار والتسليم.