الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }

وبقوله: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } [الأحقاف: 15]، يشير إلى رعاية الحق الوالدين على جهة الاحترام، لما عليه لهما من حق التربية والإنعام؛ ليعلم أن رعاية حق الله تعالى على جهة التعظيم، لما عليه له في حق الربوبية، وأنعام الوجود أحق وأولى وفي إثبات حق الوالدين، قال: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [الأحقاف: 15]، فحق من كان في شأنه بالتقدير والقسمة والخَلق والخُلق والرزق والأجل، حتى إذا بلغ أشده في النبوة في الولاية والإيمان والإسلام من الأزل إلى الأبد أثبت وأعظم، كما أشار إلى هذا المعنى.

بقوله: { قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ } [الأحقاف: 15]، وفقني { أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ } [الأحقاف: 15]، فيه إشارة إلى ألا يمكن للعبد أن يعمل عملاً يرضى به ربه إلا بتوفيقه وإرشاده.

وبقوله: { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [الأحقاف: 15]، يشير إلى أن صلاحية الآباء تورث الصلاحية للأبناء.

وبقوله: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } [الأحقاف: 16]؛ يعني: الأبناء على جزاء ما أحسنوا مع الآباء، يشير إلى أن بر الوالدين إذا كان مشروطاً بقبول الطاعة، والتجاوز عن السيئات موعود بنعيم الجنات، فكيف لمن يؤدي حقوق الربوبية بالقيام بحق العبودية؛ فيفني ناسوتيته في لاهوتية ربه - تبارك وتعالى - فهل له جزاء إلا ما وعده ربه جل جلاله بقوله: " كنت له سمعاً وبصراً ولساناً ويداً.... " الحديث.

وبقوله: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ.... } [الأحقاف: 17] الآية، يشير إلى ذم الذين اتصفوا في حقهما بالتأفيف، وفي ذلك تنبيه على ما وراءها من التأفيف، فحكم أن صاحبه من أهل الخسران، والخسران نقصان في الإيمان؛ فكيف بمن خالف مولاه، وبالعصيان أداء كما قال: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } [الأحقاف: 18].