الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } * { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ } [الجاثية: 33]؛ أي: أثمر لهم في الآخرة ما زرعوا في مزرعة الدنيا بأعمالهم السيئة، { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الجاثية: 33]، أهل الحق { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ } [الجاثية: 34]، من الرحمة { كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } [الجاثية: 34]؛ أي: كما زرعتم في مزرعة الدنيا بذر النسيان أثمركم في الآخرة ثمرة النسيان، { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } [الجاثية: 34]؛ لأنها مأوى من نسينا، كما أن الجنة مأوى من ذكرنا، { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [الجاثية: 34]؛ ليخلصوكم منها، { ذَلِكُم } [الجاثية: 35]؛ أي: أصابكم ذلكم { بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ } [الجاثية: 35]، التي رأيتم على مخلص عبادنا، { هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } [الجاثية: 35]؛ إذ ما قبلتم وصيتنا إذ قلنا؛ فلا تغرنك بالحياة، { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا } [الجاثية: 35]؛ من نار قهرنا؛ لأنكم دخلتم فيها على قدمي الحرص والشهوة فيها، { وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } [الجاثية: 35] في الرجوع إلى الجنة على قدمي الإيمان والعمل الصالح.

{ فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [الجاثية: 36]؛ أي: رب سماوات القلوب يربيها بين إصبعي اللطف والقهر، إن شاء أقامها ليكون مظهراً لصفات اللطف، وإن شاء أزاغها ليكون مظهراً لصفات القهر، { وَرَبِّ ٱلأَرْضِ } [الجاثية: 36]؛ أي: رب أرض النفوس ينبت فيه ما يشاء من شجرة الكفر والإيمان ونبات السعادة والشقاوة، كما هو { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الجاثية: 36]، يخلق فيها ما يشاء من أصناف المخلوقات.

{ وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الجاثية: 37]، بأنهما مظهر صفات عظمته وجلاله وعزته وكبريائه؛ يعني: إذا تجلى الحق - عز وعلا - بصفة من صفاته لمرآة قلب عبد من عباده، إنما يتجلى بحسب استعداد مرآة قلب العبد لا بحسب كمالية صفاته؛ فإن له تعالى بكل صفة كبرياء وعظمة لا نهاية لها، وإنه لو تجلى بصفة من صفاته بعظمتها وكبريائها؛ لاضمحلت الموجودات وتلاشت المكونات، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج أنملة إبهامه فوضعه على نصف أنملة خنصره، وقال: " تجلى نور الربوبية هذا المقدار للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً " ، وكبرياء كل صفة من صفاته بأنه لا أول لها ولا مبدأ لها، بل هي أبدية صمدية وسرمدية؛ ولهذا قال: " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منها ألقيته في جهنم " ؛ فلهذه [الخصوصية] للعبد أن يخلق بكل خلق من أخلاق الحق تعالى، ولكنه محال أن يتخلق بهذين الخُلقين؛ لأنهما أزلي أبدي لا يتطرق إليهما التغير وفي خلق العبد تغير، وله بداية ونهاية وله مبدئ ومعيد، { وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [الجاثية: 37].