الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } * { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } * { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } * { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } * { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ }

وهم أمانة الله ردوهم إلى: { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } [الدخان: 19]، بإهانة عباد الله واستحقاقهم، { إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [الدخان: 19]، من المعجزات الظاهرة الباهرة القاهرة، { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي } [الدخان: 20]، من شر نفسي { وَرَبِّكُمْ } [الدخان: 20]، من شر نفوسكم { أَن تَرْجُمُونِ } [الدخان: 20]، لشيء من الفتن.

وفيه إشارة أخرى، وهي: أن الله فتن فرعون وقومه، وهم صفات النفس وجاءهم رسول كريم من الخواطر الرحمانية:أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } [الدخان: 18]؛ أي: بني إسرائيل صفات القلبإِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } [الدخان: 18] عند الحق أؤدِّيهم إليه، { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } بالاعتداء والاستكبار أنى أتيكم من الله سلطان مبين، بدلائل وحجج واضحة وبراهين قاطعة من واردات ترد على القلوب؛ فتعجز النفوس عن تكذيبها.

وبقوله: { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } [الدخان: 21]، يشير إلى مداهنة الروح المسلم مع النفس الكافر؛ وذلك بأن الروح العلوي يدعو النفس السفلية إلى عالم عبودية الله ومراتب قربه، ومن طبيعة النفس الأمارة بالسوء أن تدعو الروح العلوي إلى العالم السفلي، وتدارك البعد عن الحضرة؛ فمن دأب أهل البدايات والمداهنة بين الروح والنفس على شرط أن الروح يقول مع النفس وصفاتها:قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 1-6]، إلى أوان غلبة الروح وصفاته على النفس وصفاتها، فينزل فيه آية القتال جاهداً الكفار والمنافقين، وأغلظ عليهم { فَدَعَا رَبَّهُ } [الدخان: 22]، بعد اليأس عن إيمان النفس وإصرارها على متابعة هواها { أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ } [الدخان: 22]؛ يعني: النفس وصفاتها { قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } [الدخان: 22]، مصرون على كفرهم ومتابعة هواهم، فيلهم الله الروح أن أسر بعبادي؛ فيمده بالسير من عالم البشرية إلى عالم الروحانية، ومن عالم الروحانية إلى عالم الربانبة إلى أن يتخلق الروح بأخلاق الحق، فلا بد للنفس بالتأييد الإلهي أن يتبع الروح عند استيلاء سلطان الحق عليه، وهذا تحقيق قوله: { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } [الدخان: 23].

{ وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ } [الدخان: 24] بحر فضل الحق تعالى { رَهْواً } [الدخان: 24]، مشقوقاً بعصا الذكر، { إِنَّهُمْ } [الدخان: 24]؛ يعني فرعون النفس وصفاتها { جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [الدخان: 24] فانين في بحر الوحدة، { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ } [الدخان: 25]؛ أي: جنات الشهوات، { وَعُيُونٍ } [الدخان: 25] من مستلذات الحيوانية، { وَزُرُوعٍ } [الدخان: 26] في الآمال الفاسدة { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [الدخان: 26] من المقامات الروحانية بعبورها عليها، { وَنَعْمَةٍ } [الدخان: 27] من تنعمات الدنيا والآخرة بالسير والإعراض عنها، { كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } متنعمين.

وبقوله: { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } [الدخان: 28]، يشير إلى أنه الصفات النفسانية وإن فنيت بتجلي الصفات الربانية، فمهما يكون القالب باقياً بالحياة يتولد من الصفات النفسانية والحيوانية، فيكون وارث تلك الصفات الفانية إلى أن تفنى هذه الصفات المتولدة بالتجلي أيضاً، ولو لم تكن هذه المتولدات ما كان السائر الترقي؛ فافهم جداً، وبهذا الترقي يبرأ السائر على المقام الملكي؛ لأنه ليس للملك ترقياً من مقامه، كما قال:وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164].